رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي
بغداد ـ جعفر النصراوي
حذر ، من "تقسيم العراق في ظل استمرار التصعيد بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان"، واصفًا الوضع في العراق بـ "المتشنج والخطير"، داعيًا في الوقت نفسه "رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني
إلى وقف التصريحات المستفزة والبحث عن نقاط مشتركة لحل الخلاف القائم بين المركز والإقليم".
وقال النجيفي في حديث لـ"العرب اليوم"، قبيل سفره إلى أربيل للقاء المسؤولين الكرد، إنه "سيحمل معه مبادرة سبق وأن عرضها على رئيس الوزراء نوري المالكي خلال لقائه به ووافق عليها، وأنه سيقوم بعرضها على الكرد خلال زيارته للإقليم، وهذه المبادرة تدعو لسحب القوات العسكرية الموجودة في طوزخورماتو على أن تتولى قوات محلية تمثل جميع مكونات كركوك، حماية الأمن في المنطقة، إضافة إلى نقاط عدة مهمة تساعد على تخفيف التوتر بين الجانبين"، مضيفًا أنه "أبلغ قادة إقليم كردستان تليفونيًا بمضمون المبادرة على أن يتسلم ردهم خلال زيارته للإقليم ويأمل بأن يكون الرد الكردي إيجابيًا وفقًا للتوافق الوطني".
وأشار النجيفي إلى أن "قادة إقليم كردستان، بحسب الاتصالات التي أجراها معهم، تحدثوا بإيجابية وهم ينتظرون زيارته، ويعتقد أن هناك مجالًا للقاء جديد في بغداد لمتابعة التفاوض"، مطالبًا الجميع بمن فيهم رئيس الوزراء ورئيس إقليم كردستان بـ"إنهاء التصريحات والاستفزازات التي يصدرها البعض هنا وهناك عبر وسائل الإعلام كون الاستمرار في نهج التصعيد سيؤدي إلى التقسيم في البلاد وسينسف العملية السياسية برمتها"، معتبرًا أن "تشكيل عمليات دجلة من قبل رئيس الوزراء بوصفه القائد العام للقوات المسلحة ومنحها صلاحيات واسعة اجراء غير دستوري، وأنها تشبه عمليات نينوي التي تم تشكيلها في الموصل سابقًا، وأن هذه التشكيلات تمتلك صلاحيات أعلى من تلك التي تمتلكها الحكومات المحلية، وهو مخالف للدستور، ويجب أن يحظى بموافقة البرلمان، وهذا مالم يؤخذ به من قبل المالكي".
وبشأن إصرار الطرف الكردي على حل عمليات دجلة، قال رئيس مجلس النواب، إن "قوة المركز هي قوة للجميع، ولا نقبل بأن تبقى بغداد ضعيفة والجيش العراقي ضعيفًا، لأنه جيش للسنة والشيعة والتركمان والكرد كلهم"، لكنه استدرك بالقول إن "تحريك قطع عسكرية إلى داخل المدن لأغراض سياسية والاستحواذ على سلطة مسؤوليها من دون الرجوع إلى البرلمان، أمر لا نقبله، ويمثل إعلانًا لحالة الطوارئ وتجاوزًا على البرلمان".
واتهم النجيفي "قيادات العمليات، ومنها عمليات دجلة بأنها تفرض الأحكام العرفية في المناطق التي تسيطر عليها وتسلب الصلاحيات من المسؤولين فيها، مثل المحافظ الذي يعتبر أعلى سلطة في المحافظة، وهذا أمر غير دستوري، وتفرض على المواطنين مراجعتها"، مطالبًا رئيس الحكومة بــ"إعادة النظر في التشكيلات العسكرية التي شكلها على مدى السنوات الماضية من أجل أن يوافق عليها البرلمان، لأنها حاليًا لا تتمتع بصفة دستورية"، مشددًا على "ضرورة ألا يكون دخول الجيش إلى المحافظات إلا بالتنسيق مع المحافظة وبضوابط يحددها مجلس النواب، وعلى أن أي محاولة لجر البلاد للحرب، ستكون غير شرعية، إذا لم تمر عبر بوابة مجلس النواب، وهو من يقرر ذلك"، مستدركًا أن "مجلس النواب لن يقبل بوجود حروب داخلية في العراق بعد الآن، ويكفي ما مر علينا من أزمات وقتل، ولايمكننا القفز على الحقائق، وإغفال أن ما يجري في المناطق المختلف عليها، هو أمر مقلق جدًا، ويتوجب على الأطراف كلها اللجوء إلى لغة العقل والتفاهم، لا إلى لغة السلاح والقوة والتهديد والوعيد".
وعن التهديدات التي وجهها رئيس الوزراء للأطراف التي تفكر في إعادة سحب الثقة منه، عدها النجيفي"كلامًا غير مسبوق في الديمقراطيات". ورأى أنها "نتاج التقاطعات بين الشركاء وعدم وجود مساحة للحوار"، مضيفًا "لا يوجد طرح في مجلس النواب لسحب الثقة، ولم أفاتح في مسألة مثل هذه والوضع غير مناسب لهذه الإجراءات وحتى لو كانت دستورية، لأن الوضع متشنج وخطير".
وبخصوص إمكان تشكيل حكومة غالبية في العراق، أوضح النجيفي أن "تشكيل تلك الحكومة في الوقت الحاضر في العراق غير ممكن، لأن الأجواء غير مناسبة لهذا الأمر، ومقومات حكومة غالبية مازالت غير متوافرة في العراق، لأن العملية السياسية برمتها لاتزال تخضع إلى شد وجذب وعدم اتفاق بين الأطراف المشاركين فيها، وماأراه أيضًا أن تشكيل هذه الحكومة غير ممكن كذلك خلال السنوات القليلة المقبلة".
وعن ملف الخروقات التي أثيرت أخيرًا في السجون العراقية، أكد النجيفي أن "البرلمان سيعمل على متابعة الخروق في مختلف السجون في بغداد والمحافظات، واتخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الشأن، وقد قمنا بتشكيل لجنتين للتحقيق في"الانتهاكات" ضد السجينات في عدد من السجون، والخروقات الأمنية في سجون البصرة، وننتظر النتائج ولن نتهاون كمجلس نواب في محاسبة المقصرين مهما كانت تبعيتهم"، موضحًا أن "البرلمان سيتابع أيضًا ملفات الفساد في صفقات السلاح، وأن رئيس الوزراء نوري المالكي أخبره شخصيًا بوجود مشكلة في صفقات الأسلحة، وعلى أثر ذلك بادر بالتحقيق مشددًا على ضرورة استدعاء الأطراف المعنية كلها بهذا الشأن ومعاقبة المفسدين".
ويعيش العراق، بعد مرور ما يقرب من عام على رحيل القوات الأميركية، الظروف نفسها التي اعتاد عليها من قبل، فالأزمات تهيمن على الساحة على نحو كامل، وفي هذه المرة، ولكن الجديد أن هناك قوات عراقية موالية للحكومة تقف أمام أخرى محلية، تأتمر بأمر الحكومة الإقليمية الكردية في شمال البلاد، وكل طرف ينظر إلى الأخر بتحفز عسكري، فيما يحاول المسؤولون في بغداد الاشتراك مع عدد من الدبلوماسيين الأميركيين التوسط بين الطرفين.
ورأت صحيفة" نيويورك تايمز" الأميركية، أن العراق ينهي هذا العام كما بدأه بمواجهة خطيرة تكشف عن مدى التصدع العرقي والطائفي الذي لم تفلح مليارات الدولارات الأميركية وآلاف الأرواح في إصلاح ذات البين، وتسوية هذه الخلافات، وأن العراق قد شهد في بداية هذا العام انقسامًا طائفيًا بين الشيعة والسنة ظهر بوضوح عندما أصدرت الحكومة برئاسة نوري المالكي( شيعي)، أمرًا باعتقال نائب الرئيس طارق الهاشمي، (سني) لمحاكمته بتهم إرهابية.
وقال الصحافي في جريدة "المدى" سارمد الطائي:"العراق بدأ العام بأمر اعتقال الهاشمي وينهيه بحشد دباباته على حدود الجبال الكردية". وبعد خروج الأميركان من العراق قام المالكي، بإرسال دبابات لمحاصرة منزل الهاشمي في المنطقة الخضراء في بغداد، ما أضطره إلى الإقامة في الشمال الكردي ثم في تركيا. وخلال تلك الفترة صدر الحكم ضده غيابيا بالإعدام. وها هو الآن يعيش دون خوف في شقة فخمة في اسطنبول في حماية الحرس التركي.
وأكد الهاشمي في مقابلة صحافية أجريت معه، "أنا لازلت نائب الرئيس بموجب القانون، ولدي القدر الكافي من الوقت للاهتمام بمستقبل بلدي"، أما الأزمة الأخيرة فهي أزمة "عرقية" بين الأكراد والعرب، ومن المتوقع أن يترتب عليها نتائج أكثر خطورة، لأن الأكراد على عكس العرب السُنة ، يتمتعون بقدر من الحكم الذاتي في شمال البلاد، كما أنهم يتحكمون بقواتهم الأمنية، ويتطلعون منذ أمد بعيد إلى الاستقلال.
وعندما حاول أفراد من الشرطة الفيدرالية في العراق اعتقال رجل من الأكراد خلال الشهر الماضي في مدينة توز خورماتو في المنطقة الشمالية الكردية من البلاد، وقع تبادل لإطلاق النيران بين القوات العراقية التابعة للحكومة وبين أفراد من الأمن الموالين إلى الحكومة الإقليمية الكردية، فيما ينظر المراقبون إلى هذا الواقعة باعتبارها حادثة يمكن أن تنقلب إلى صراع خطير.
وقد أسفرت تلك الحادثة عن مقتل أحد المدنيين، بالإضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 8 أفراد آخرين.
وردا على تلك الواقعة بادر رئيس الوزراء العراقي نوري كمال المالكي بإرسال تعزيزات من القوات إلى المنطقة، كما قام مسعود برزاني رئيس الإقليم الكردي الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي شمال العراق، بإرسال جنوده المعروفين باسم "البشمركة"، وفي أعقاب ذلك ظل التوتر سائدًا بين القوتين.
وفي ما يتعلق بمدينة طوز خورماتو، التي شهدت صدامات مسلحة أخيرًا، فهي تجمع خليطًا من الأعراق، حيث يتنافس التركمان والعرب والأكراد على السلطة هناك. وهي تقع في منطقة قريبة من مدينة كركوك، وهي غنية بثروة نفطية يتركز حولها الصراع الطويل على السلطة بين الأكراد والعرب، وكان صدام حسين نقل عشرات الآلاف من العرب إلى المنطقة لهدف إضعاف المعقل التاريخي الكردي، إلا أنه وبعد سقوطه طالب الآلاف من الأكراد الذين سبق طردهم من المدينة بحقهم في العودة إلى منازلهم التي طردوا منها، الأمر الذي أسفر عن خلق حالة من التوتر لم تهدأ بعد، حيث بدأت الأزمة الأخيرة بعد محاولة المالكي تعزيز سيطرته على الأمن في كركوك، حيث تتقاسم القوات التركية والعراقية مسؤولية الأمن فيها، بينما وصلت الأزمة إلى مرحلة حرجة بعد تبادل إطلاق النار الأخير.
من جانبه، قال الخبير في الشأن العراقي في "معهد الأزمات الدولية" جوسيت هيلترمان، إن "هذه الواقعة بمثابة خط أحمر عند الأكراد، فالمالكي يسيطر في الأساس على الشرطة، أما الأكراد فإنهم لن يتخلوا عن المدينة"، فيما قام كل من المالكي وبارزاني بإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة، بينما يتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه "كان البادئ بإرسال قواته أولاً". وقد حذر المالكي الأتراك من خطورة تصرفهم، ومن مغبة ذلك، فيما أوضح المتحدث باسم قوات "البشمركة"، أن "كل شيء محتمل"، بينما يميل بعض العراقيين العرب إلى خوض القتال ضد الأكراد. وقال رئيس "المجلس السياسي العربي" في كركوك الشيخ عبد الرشيد:" نفضل الحل العسكري للصراع، لأنه بدون ذلك فإننا سوف نظل محبطين وبلا سلطة أو نفوذ على الإطلاق"، أما الأكراد فهم ينظرون إلى الصراع في سياق نضالهم التاريخي ضد صدام حسين، ولكنه هذه المرة سيكون ضد المالكي الذي سبب تراكم السلطات في يده في قلق واشنطن. وقال بارزاني في بيان له:" إن الإقليم الكردستاني مستعد للدفاع عن أراضيه ومواطنيه".
وقال المالكي في مؤتمر صحافي نهاية الأسبوع الماضي:"إنه ليس بنضال ضد ديكتاتور، وإنما سيكون صراعًا عرقيًا لن يكون في مصلحة الطرفين"، محذرًا من أن "الحرب ليست لعبة وليست نزهة"، بينما أفاد محللون أن "التوتر الحالي يرجع في الأساس إلى المنافسة السياسية بين المالكي وبارزاني، الذي حاول هذا العام تشكيل تحالف برلماني لإسقاط حكومة المالكي"، كما يخطط بارزاني إلى إبرام صفقات نفطية مع عدد من الشركات الدولية مثل "إيكسون"، وهي مخالفة صريحة للقوانين العراقية.