الدراما التلفزيونية

يتفق أصحاب شركات الإنتاج التلفزيوني في لبنان على أن العام المنصرم وصولاً إلى اليوم شكّل أصعب الفترات في تاريخ هذه الصناعة. فانتشار جائحة «كوفيد - 19»، وما تأتى عنها من فرض حظر تجول وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، شلّ الحركة وأربكها. إضافة إلى ذلك اضطر المنتجون إلى وقف عمليات التصوير عدة مرات، ودفع تكاليف باهظة لاستضافة نجوم الدراما العرب في لبنان.

والواقع، أنه ساد جو من القلق والتوتر بين الممثلين مع بداية تفشي الفيروس، فاعتكف بعضهم ممتنعاً عن إكمال مشاهد مسلسل يشارك فيه، ومجموعة أخرى من النجوم العرب اعتذرت وقررت العودة إلى بلادها وترك شركة الإنتاج في وضع حرج. إلا أن ذلك لم يثن أصحاب شركات الإنتاج عن التصدي لهذه النكسة، والمضي من دون تردد في إنتاجات تلفزيونية درامية رمضانية وغيرها. وأجندتها التي ازدهرت حركتها إثر إقبال المنصات الإلكترونية على عرض أعمال درامية عربية مختلطة، والتزامها مع أكثر من محطة، ولّدا تحدياً عندها، فاندفع المنتجون مستبسلين من أجل إكمال أعمالهم رغم كل الصعوبات.

ووفق هؤلاء، فإن صناعة الدراما التلفزيونية في لبنان يجب أن تبقى نابضة بالحياة، لا سيما أن إيراداتها السنوية تسهم في تنشيط الاقتصاد اللبناني بنسبة كبيرة. فهي تؤمن العمل لمئات الناس بين تقنيين وسائقين وعمال فنادق... وبطبيعة الحال، المصوّرين ومهندسي صوت والمخرجين وغيرهم.

صادق الصبّاح، صاحب شركة «الصبّاح أخوان» قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «هذا القطاع يدخل إلى لبنان سنويا نحو 500 مليون دولار، كونه يضخ الحياة في الفنادق والمطاعم وشركات تأجير السيارات وغيرها. وعندما صدر قرار عن الدولة اللبنانية في فترة الحجر يقضي بإيقاف تصوير مسلسلاتنا تفاجأنا.

ففي دول عربية أخرى كالإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية بقيت عجلة الدراما نابضة، واستثنيت من قرار الحجر». وبالفعل، تعثر تصوير عدد من مسلسلات في بداية الجائحة وغابت عن الشاشة الرمضانية خلال الموسم الفائت. وكما «الهيبة 4» و«2020» كذلك «أسود فاتح» وغيرها، توقف تصويرها بعد إنجاز أجزاء كبيرة منها، ولم تستكمل إلا بعد حين. وهو ما أحدث تغييراً على خريطة المسلسلات الرمضانية لعام 2020 ولم يجر عرضها في موعدها. كذلك، أدى إقفال بعض المطارات العربية أمام حركة الطيران إلى حجز عدد من الممثلين في البلد الذي يقيمون فيه، وهو ما انعكس سلباً أيضاً على عجلة تصوير بعض المسلسلات.

ويقول جمال سنان، صاحب شركة «إيغل فيلمز»، في هذا الخصوص «فترة كوفيد - 19 كانت من أصعب الامتحانات التي مررنا بها في صناعة الدراما. لقد توقفنا عدة مرات عن تصوير مسلسلات كنا وضعنا لها مواعيد تصوير وعرض في أوقات محددة من السنة. وبالنسبة لي عشت تجربة صعبة من خلال مسلسل (دفعة بيروت) عندما اضطر بعض نجوم العمل للعودة إلى بلدانهم واعتذارهم عن المشاركة. وعندها لجأنا إلى أسماء أخرى تندرج على قائمة الـ(بان أراب). وجاءت النتيجة ممتازة... ورُبّ ضارة نافع».

ويضيف سنان في حوار مع «الشرق الأوسط»، قائلاً: «نحن اعتدنا على رفض الاستسلام وتجاوز المصاعب في محطات عدة سابقة مررنا بها. وهذه المرة أيضاً لم تستطع الجائحة أن تحبط من عزيمتنا، فأكملنا طريقنا بصلابة وبإرادة كبيرة».

ثم يشرح: «لقد ارتفعت تكلفتنا الإنتاجية في زمن الجائحة، إذ اضطررنا لتطبيق الإجراءات الوقائية من تعقيم واختبارات (بي سي آر) للعاملين والممثلين. كذلك جمعنا نجوم العمل في فنادق واحدة، انطلاقاً من مبدأ تحاشي مخالطة الغير. وما يجدر ذكره أنهم جميعاً تعاونوا معنا بطيبة خاطر، ولم يعتذر أحد منهم عن إكمال العمل. نحن أبناء الأمل، وكنا متأكدين من تجاوز هذه المحنة والانتصار عليها».

وحقاً، نجحت شركات الإنتاج في تجاوز هذه المحنة، وقدمت إنتاجات كثيرة معلنة مشاركتها في موسم رمضان 2021 وحتى عبر المنصات الإلكترونية. ومن بين تلك الأعمال «دانتيل» و«لا حكم عليه» و«للموت» و«البريئة» و«قارئة الفنجان» و«أمنيزيا» و«خرزة زرقا» و«2020» وغيرها.

وجرى تسجيل تعاون ملحوظ بين محطات التلفزيون وشركات إنتاج الدراما، بحيث حمل بيار الضاهر، مدير «إل بي سي آي»، على عاتقه الاهتمام بمرضى «كوفيد - 19» من فنانين وممثلين وإعلاميين. واستطاع تأمين المستلزمات الطبية لمن التقط العدوى كما حصل مع الممثل فادي إبراهيم. ومن ناحية أخرى أجرى، اتصالاته مع المعنيين من أجل تسهيل مهمة هذه الصناعة، كونه أحد المتضرّرين من توقف حركتها.

عودة إلى صادق الصبّاح الذي يوضح: «نحن كقطاع إنتاجي بادرنا إلى إنشاء جزيرة صحية خاصة بنا كي لا نشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة اللبنانية في حال التقط أحد المتعاونين معنا العدوى. ورغم ذلك رفضت الدولة اللبنانية استثناءنا يومها والسماح لنا بالعودة إلى العمل الإنتاجي».

ويردف: «لقد عملنا على تأمين أسرة احتياطية في مستشفى الشرق الأوسط في منطقة بصاليم (شمال شرقي بيروت). وكذلك استقدمنا 10 ماكينات أكسجين من دبي والقاهرة، إضافة إلى كمية أدوية لا يستهان بها. لقد رغبنا القيام بهذه المبادرة بعيداً عن السوق اللبنانية، كي نوفر أي ضغوط وتكلفة إضافية. وقلنا للمسؤولين اعتمدوا هذا القطاع نموذجاً حياً، فأنتم لم تستطيعوا تأمين إمكانيات احتياطية في المستشفيات، فدعونا إذن نعمل وننتج بدلاً من أن تدفعونا إلى الهجرة. لقد استطعنا بالفعل تأمين الحماية لنحو 600 شخص تحت سن الأربعين وبينهم 400 أجنبي وعربي، يمكث في الفنادق. فإذا توقف هذا القطاع عن العمل سنخسر المواسم ويُطبع لبنان بصورة سلبية تنذر بانتهاء دوره الإعلامي الريادي. لقد جاهدنا للوصول إلى هنا، من أجل إبقاء لبنان على خارطة الدراما العربية المنتجة».

من ناحيته، يؤكد المنتج والمخرج إيلي معلوف، صاحب شركة «فينيكس برودكشن» لـ«الشرق الأوسط» أنه تضرّر كغيره من المنتجين من قرار إيقاف الأعمال الدرامية التلفزيونية. إذ واجه مشكلة كبيرة في مسلسل «رصيف الغرباء»، الذي يعرض في رمضان على شاشة «إل بي سي آي». ويقول: «لقد تجاوزنا الأزمة وأكملنا المسيرة لأننا نرفض الاستسلام. والحمد الله ها هو (رصيف الغرباء) يكمل عرضه اليوم في موسم رمضان، بعدما توقفنا لفترة عن تصويره بسبب الجائحة».

وحول جائحة «كوفيد - 19» نفسها، كان عدد لا يستهان به من الممثلين قد أصيبوا بالفيروس، ومن بينهم أسعد رشدان وفادي إبراهيم ووجيه صقر، وكذلك المنتج جمال سنان. ونشر عدد من النجوم أمثال سيرين عبد النور ومعتصم النهار، صوراً لهم وهم يضعون الكمامات في مواقع التصوير، أو يخضعون للتعقيم عند باب الدخول. بفضل كل هذه الجهود، بقيت الإنتاجات نشيطة، لا بل تكثّفت مع الطلب عليها من المنصات الإلكترونية.

ويعلق جمال سنان: «اليوم صرنا على معرفة وطيدة بالفيروس، ونعرف كيفية التعامل معه والتوقي منه، وما عاد يشكل لنا الخوف الذي اعترانا في بداية الجائحة. إننا نأخذ جميع احتياطاتنا ونمضي في العمل، لأننا نؤمن بهذا البلد وبقدراته الفنية والإبداعية. إنتاجاتنا اليوم تعرض في رمضان، وعلى منصات إلكترونية، ونحن نعد لإكمال المسيرة مع أعمال أخرى، نحن بصدد تصويرها حالياً»

قد يهمك ايضًا:

كلينتون تدخل غمار الإنتاج التلفزيوني بعمل موجه إلى النساء

 

مهرجان مكناس للدراما يحجب عدة جوائز لضعف الإنتاج التلفزيوني المغربي