الفراشات

يعمل مكون تُنتجه ذكور الفراشات من نوع "Heliconius Melpomene" كمثبط جنسي. لكن، حين تُنتجه نباتات معينة، فإنه يجذب نفس هذه الحشرات.
يقول الكاتب ناتانيال هيرزبيرغ في التقرير الذي نشرته صحيفة لوموند إنه منذ فترة طويلة، اشتهرت هذه الفراشة الغريبة بقدرتها على إنتاج مواد مُرة وسامة، تنجح في إبعاد الكائنات المفترسة عنها.
ويشترك نوعا هيليكونيوس إيراتو وهيليكونيوس ميلبوميني في نفس الإشارة الملونة على أجنحتهما لزيادة حالة التأهب، وهو سلوك يسميه علماء الأحياء "محاكاة مولر"، وبالتالي، فهما يتقاسمان خاصيتي الذوق والمظهر.
في دراسة نُشرت بدورية "بلوس بيولوجي" في 19 يناير/كانون الثاني، أضاف فريق أنجلو أميركي إلى تلك الخاصيتين الرائحة. وبعد التحليل الكيميائي والجيني، أظهر الباحثون مؤخراً كيف يمكن لهؤلاء الذكور إنتاج مادة كريهة تدعى فيرمون (تفرز خارج الجسم بواسطة الحيوانات فإذا وصلت إلى فرد آخر من نفس النوع تجعله يستجيب لهذه الإشارات الكيميائية بطريقة ما) وذلك بهدف إبعاد الكائنات (من نوعها) وليس الكائنات الأخرى التي تتهددها.
ولكن أثناء الجماع، يتركون هذه المادة داخل الجهاز التناسلي للأنثى، وهو ما يُعد نوعاً مما يسمى حزام العفة الكيميائي الذي يزيد من فرص الإنجاب.
في أطروحة قدّمتها في جامعة كامبريدج (University of Cambridge) أثناء هذه الدراسة ونشرت الجامعة بيانًا صحفيًا عنها، أرادت كاثلين داراج، التي أصبحت الآن باحثة في جامعة كاليفورنيا، كشف بقية هذا اللغز، وهو أصل الظاهرة.
فيما أظهر باحثون آخرون استخدام هيليكونيوس ميلبوميني للأوسيمين، وهو مركب هيدروكربوني من فئة التربين تنتجه النباتات بشكل طبيعي. لكنهم اعتقدوا أن الحشرة تبحث فقط عن هذه المادة في النباتات عند البحث عن الطعام.
ويذكر الكاتب أن العلماء بيّنوا أن الأمر ليس كذلك. حيث لا تقوم الفراشات فقط بإنتاج الأوسيمين من تلقاء نفسها، بل إنها تفعل ذلك من خلال آلية مختلفة.
وتوضح داراج "لقد اكتشفنا جيناً جديداً غير موجود في النباتات وينتج الأوسيمين. وبناءً عليه، تطور إنتاج هذا الفيرمون بشكل مستقل وبواسطة طرق مختلفة لدى النباتات والفراشات".
وقد أثار هذا الأمر إعجاب المهتمين بمجال التطور الذين يتوقون دائما ًإلى فهم مسارات النشوء والتطور لبعض السمات.
تعلق أدريانا بريسكو، المتخصصة في تطور الفراشات في جامعة كاليفورنيا "إن القدرة على إظهار أن النباتات والحيوانات تتقاسم لغة كيميائية مشتركة، وأن كلا منهما يجد ميزة تطورية فيها، هو أمر مذهل".
لكن يتساءل المختصون في علم الأحياء السلوكي: كيف يمكن للمركب الكيميائي نفسه أن يجذب الفراشات عندما ينبثق من نبات، ويصدها عندما تُفرزه فراشات أخرى. وتعترف داراج قائلة "هذا ما لا نفهمه جيداً".
إن الميزة الإنجابية التي يمكن أن يجدها الذكور في هذه المسألة واضحة بالنسبة لأقرانهم الذين يفرزون مثبطا جنسيا في الأنثى ويضمنون نسلهم، وبالنسبة للإناث أيضاً اللاتي يستقبلن هذه المادة.
تضيف الباحثة "استمالة أنثى مخصبة أساساً يُعد مضيعة للوقت والطاقة، خاصة أنها لن تتقبل ذلك بعد التزاوج الأول مباشرة".
يؤكد كريس جيغينز، الأستاذ في جامعة كامبريدج، الذي أشرف على هذا البحث أنه "عادة ما تتعرض الإناث للمضايقات من قِبل الذكور، لذلك إذا كان هذا يمنحهن القليل من السلام، فإنهن يستفدن منه أيضاً". علماً بأن لديهن القدرة على تخزين مني شريكهن الأول واستخدامه عدة مرات.
كل هذا لا يفسر التمييز الذي تقوم به هذه الحشرة بين الاستخدامات السلبية والإيجابية لهذه المادة.
وتفيد داراج "من المؤكد أن السياق هو الذي يسمح للفراشة بتفسير الرائحة نفسها بشكل مختلف". لهذا السبب، سيحاول الباحثون تحديد السلوكين بشكل أفضل، والبحث عن هذا الفيرمون في أنواع أخرى من الفراشات.


قد يهمك ايضًا:

دراسة تؤكد أن تراجع أعداد الفراشات مرتبط بحجم أجنحتها وألوانها

 

ارتفاع درجة الحرارة يساعد على تكاثر الفراشات الزرقاء ويشهد أفضل فصل صيف