شرعت القاعات السينمائية في المغرب، بداية من السادس من فبراير/شباط الجاري، بعرض الفيلم السينمائي "يا خيل الله" لمخرجه نبيل عيوش. ويتمحور حول فكرة رئيسة مفادها أن الإنسان لا يمكن أن يولد إرهابياً، باعتبار أن الظروف الاجتماعية المزرية من فقر وتهميش اجتماعي هي التي تدفع إلى ارتكاب أحداث دموية وإرهابية، مثلما شهدته مدينة الدار البيضاء في 16 مايو/أيار 2003. وتباينت مواقف المراقبين من موضوع "يا خيل الله" بين من وجده شريطاً سينمائياً يعالج بشكل فني قضية تحول شباب سُذّج وفقراء إلى مشاريع "قنابل موقوتة" تكاد تنفجر في وجه المجتمع في أي لحظة، وبين من رأى فيه نوعاً من النمطية الموجهة للغرب خاصة في "الترويج للكراهية والإسلاموفوبيا". الفقر والتطرف ويتطرق فيلم "يا خيل الله" إلى قصة أخوين، ياشين وحميد، يعيشان في حي سيدي مومن الشهير بالدار البيضاء، حيث يستفحل الفقر وتنتشر الأمية، فتقع بعض الأحداث لينتهي المطاف بحميد إلى ولوج السجن، بينما يحاول ياشين الانعتاق بأي وسيلة من فخ الحياة البئيسة بهذا الحي الفقير. لكن في عوالم السجن تتغير أحوال حميد ليصبح ذا أفكار متطرفة، حيث حاول بعد خروجه من المعتقل أن يقنع بها أخاه ياشين وأصدقاءه، فساهم في اختيار مجموعة من الشباب من أجل التحضير البدني والعقائدي ليصبحوا من "خيل الله" من خلال القيام بعمل يجعلهم شهداء عند الله. واستوحى مخرج الفيلم نبيل عيوش أحداث شريطه من رواية "نجوم سيدي مومن" لصاحبها الكاتب والفنان التشكيلي ماحي بين بين، التي صورت الحياة الفقيرة التي كان يعيشها شباب حي سيدي مومن، المكون من بيوت القصدير، فكانت بمثابة أرض خصبة لتفشي وانتشار الفكر الانتحاري والمتطرف وسط عدد من شباب المنطقة. يذكر أن يوم الجمعة 16 مايو 2003 يوم مفصلي لن ينساه المغاربة عندما أقدم حوالي 14 شاباً قدم جلّهم من حي سيدي مومن الفقير إلى بعض المواقع الهامة والحساسة بالدار البيضاء لتفجيرها، ومنها مطاعم وفنادق والمركز الثقافي اليهودي والمقبرة اليهودية، الشيء الذي أفضى إلى وفاة 44 شخصاً وجرح المئات، فتحركت على إثرها حملة أمنية أسفرت عن اعتقال ومتابعة آلاف الشباب "السلفيين". و اعتبر المخرج نبيل عيوش أن "يا خيل الله" كان نتاج بحث واتصال ومعايشة مع السكان والجمعيات المحلية والعديد من الشباب في حي سيدي مومن، مضيفاً أنه درس أيضاً طريقة التعامل لدى بعض الإسلاميين المتشددين مع الآخرين، وطرق استمالتهم واستقطابهم لهم من أجل تحقيق أهدافهم وتطبيق آرائهم. وتابع عيوش قائلاً: "إن هذه السياقات والإعدادات التي سبقت إنجاز "يا خيل الله" أكسبت الفيلم كثيراً من الواقعية التي لم تسقط في فخ التوثيق والسرد الجاف، بل تجاوزته ليكشف الشريط بطريقة فنية تحترم ذكاء الجمهور عن دواعي ظاهرة التطرف الديني الذي لا يُخلَق مع الإنسان، بل يُعد نتيجة لظروف اجتماعية واقتصادية معينة بالأساس". أما بالنسبة لقسم كبير من الجمهور الذي شاهد "يا خيل الله" لأول مرة في القاعات السينمائية خلال الأسبوع الجاري، فإنه رأى فيه رغم تضمنه لغة وخطاباً قاسياً يصل أحياناً حد البذاءة، وصفاً حقيقياً لما يجري في الشوارع السفلي والأحياء الشعبية التي يتفشى فيها الفقر والجهل، فتنتج عنها ظواهر اجتماعية صادمة ليس أقلها التطرف الديني.