وزارة الثقافة والرياضة والشباب العُمانية

ليس هذا المقالُ ترفاً ثقافيًّا ولا فخراً ذاتيًّا، ولا مزايدة على المتحقق والمنجز الفكري العُماني، وإنما فصلٌ من فصول تجربتي الثقافية وتبياناً للجهود المتواضعة التي قمتُ بها خدمة لبلدي « عُمان» والتعريف بها في الأوساط الثقافية العربية، فقد شَرفتُ بمعرفةِ مؤسسة البابطين للإبداع الشعري ذائعة الصيت قبل أكثر من ربع قرن، ثم شرّفت بالعمل مندوبا لها في السلطنة خلال الفترة من (1999- 2004) ، وقدّمت خلال هذه الفترة الذهبية من حياتي الثقافية جملة من الكتابات التي أحسبُها مبكرة، فقد قامت عليها دراسات نقدية وتاريخية سعدتُ بها عندما وجدتها في قوائم المصادر والمراجع لجملةٍ من الأطاريح والرسائل الأكاديمية بل والكتابات الثقافية، ولا أدَّعي مطلقا أن الشعر العُماني غير معروف قبل ما قدَّمته في منشورات هذه المؤسسة بل أحسبُ أن هذه المؤسسة كانت عاملا من عوامل نشره ضمن منظومة نظائره الآداب العربية الأخرى، وهذا ما جعلني أعتز بهذا الإنجاز الذي مارسته بشغف في ريعان الشباب والألق العلمي المتأجج، وفي ظل مؤسسة متخصصة رعتني غضًّا يافعاً ودفعتني في نهاية المطاف لإكمال جهودي في كتابة تاريخ الشعر العُماني في القرن العشرين ، وإن قلت كانت أحد عوامل تحفيزي لحبّ البحث فيه فلا أجانب الصواب ؛ إذ أحسب في نفسي أنها كانت الدافع المعنوي لي نحو كتابة عدد من دراساتي التأريخية والتحليلية والنقدية ومنها كتابي المرجعي «الشعر العُماني في القرن العشرين» وكتابي الأخير «السطر الأول في النقد الأدبي العُماني الحديث» وبينهما كتب أخرى ليس آخرها الصحافة العُمانية المهاجرة.

لا أنسى ذلك اللقاءَ الجميل الذي جمعني بأمين عام المؤسسة الأديب المثقف المسرحي المعروف الأستاذ عبدالعزيز السَريّع الذي زار السلطنة بمعية أستاذي الدكتور إبراهيم غلوم في شهر أكتوبر من عام 1990م، وكانت زيارتهما لما كان يسمّى بوزارة التراث القومي والثقافة ولقائهما الرسمي بصاحب السمو السيد فيصل بن علي رحمه الله للتعريف بالمؤسسة وإيضاح رؤيتها وتقديم أفق تعاونٍ يخدمُ الثقافة والمثقفين العُمانيين.. وبعد هذا اللقاء التقيت مساء ذلك اليوم بهما وتباحثت معهما حول عدد من المواضيع التي تخصُّ الشعر العُماني بصفتي أحد المتخصصين فيه والمهتمين بتجارب أعلامه، وتم اختياري وتكليفي بالعمل مع المؤسسة والقيام بجمع نماذج الشعر العُماني ومحاولة خلق روابط بين المؤسسة والوسط الثقافي العُماني الذي كان يتشكل في ظل مؤسستين رسميتين معروفتين: النادي الثقافي، والمنتدى الأدبي وبينهما جهود فردية وتجارب ذاتية ومجالس خاصة كان لها دور قبل ميلاد جمعية الأدباء والكتَّاب.

كانت هناك ثمة عقبات كأداء واجهتني وأنا بصدد هذا العمل في هذه المؤسسة، فقد وُلِدتْ بُعَيد الحدث الفاجع السياسي الذي هزّ الكيان العربي والعالمي وقسَّم المثقفين العرب إلى شطرين متنافرين ألا وهو احتلال العراق للكويت، ولهذا نجم عن هذا الحدث الفارق تأثيرٌ نفسيٌّ في نفوس النخب العربية قاطبة وبدا صداه في تباين المواقف بين المثقفين العُمانيين شأنهم شأن المثقفين العرب، فكانوا بين مؤيد ومعارض فأبدى بعض مثقفينا وشعرائنا بالصدود وشاحوا بوجوههم عن تقبل أيّ فعل ثقافي مهما كانت نواياه قادم من الكويت تضامناً مع العراق الذي شنَّت عليه بسببها حرباً ضروساً لم تبق فيه شيئاً ، فكانت مواقف الرفض من المشاركة في إدخال أسمائهم ضمن مشروع «المعجم الشعري « الذي تنوي المؤسسة إعداده، وكذلك عدم الرغبة في المشاركة في أيّ فعلٍ ثقافي تقيمه حتى ولو لم يكن له علاقة بالسياسة .. كانت العقبة كأداء والإقناع صعبا لتزمّت بعضهم وعدم تفهمه لدور المؤسسة الثقافي وبُعِدها عن الجانب السياسي، ومع تكرار المحاولة استطعت إقناع بعضهم وجذبهم إلى فضاءات هذه المؤسسة وأنشطتها بعدما اتضحت لهم الرؤية حول طبيعة أنشطتها الثقافية، فصارت مضرب المثل للحضور الثقافي العربي في ذلك الوقت الهام، فأمّ فعالياتها الشعراء والمثقفون والكتاب والصحفيون العرب الأكثر شهرة حتى أنه لم يبق اسم عربي أو مهتم بالشعر العربي إلا واستجاب لدعوات هذه المؤسسة والكتابة فيها وحضور فعالياتها ، فغدا نشاطها وفعلها الثقافي محطَّ رحالهم، ومهوى أفئدتهم وإن أنسَ لا أنسى تزاحم الكبار عليها فرأيت فيها ما كنت أحلم برؤيته والالتقاء به ، والحديث معه ، وقد لا يخطر على بالي ذات يوم أن أرى هذه الكوكبة من النخب العربية والأسماء العليا في الكتابة والإبداع التي كانت تثير شغف فضولي لرؤيتها والاستماع إليها عن قرب حتى توطدت لدي من لدن بعضهم علاقات وتواصلات وروابط ما زلت أحتفظ بذكراها ولدي منهم كم من رسائلهم المكتوبة وصورهم الفوتوغرافية عندما كان للرسائل الورقية والصور ألف معنى.

لقد رأيت في محافل البابطين عمالقة الفكر وفخر الإبداع العربي والمشاهير في عالم الشعر والنقد والثقافة والصحافة وسائر أقطاب الكتابة شعرا ونثرا ..حضرتُ لأمسياتهم الفاخرة في أفخر القاعات العربية، شهدتُ صدوح الشعراء وجدليات النقاد وتعليقات النخب العربية وصراع الأفكار.. شهدت القديم والحديث والوسيط والمثير، فكان التفريق بينها صعبا .. شهدت عصر العمالقة إن صحّ التعبير: فدوى طوقان، ومحمود درويش، ونزار، والبياتي، وعبدالله البردوني والطيب صالح، ومحمد مفتاح الفيتوري ..وأدونيس وإبراهيم العريّض، أحمد السقاف ، وشوقي بغدادي، وإبراهيم أبوسنه ، وجابر عصفور، وصلاح فضل، وسليمان العيسى وناصر الدين الأسد، وعبدالسلام المَسَّدي والهادي الطرابلسي، وعزالدين إسماعيل، محمد زكي العشماوي، ومحمود علي مكي، والطاهر مكي ، ومحمد عبد المنعم خفاجه، ويوسف خليف، ومحمد مصطفى هدارة ، وعلي الباز، وأحمد مختار عمر، وأحمد عمر هاشم، ومحمد حسن عبدالله ، وعبداللطيف عبدالحليم (أبوهمام) ، وأحمد درويش، وعثمان بدري، وعزالدين ميهوبي، وعزالدين المدني، وكمال عمران، وحمادي صمّود، ومحمد لطفي اليوسفي وعبد القادر القط ، وأبو القاسم كرو، ويوسف خليف، وعلي عقلة عرسان، ومحمد بنيس، ومحمد مفتاح، ومن الخليج علوي الهاشمي، وعبدالاله عبد القادر، وعلي عبدالله خليفة ، وقاسم حداد، وعلي الشرقاوي، محمد عبدالرحيم كافود، وعبدالله المعيقل وعبدالله المهنا، وسعد البازعي، ومنصور الحازمي وعبدالله الغذَّامي، ومن الكويت عبدالرزاق البصير، وأحمد السَقاّف، ومحمد غانم الرميحي، وسليمان الشطي، وسليمان العسكري، وسالم خداده، وخليفة الوقيان، وعبدالعزيز السريّع ، وعبدالعزيز جمعة ،ومصطفى عبدالله... وسلسلة كبيرة من علماء الأدب والشعراء والنقاد.

اختصَّت مؤسسة البابطين بالشعر العربي وحده، وأخذت على عاتقها العناية بالشعر والانشغال به جمعا وتصنيفا وتحليل خطاب وسعت إلى وضعه في كفة واحدة مستفيدة من كافة تجاربه القديمة والحديثة، واتخذت من مدينة الكويت مقرَّا رئيسيا لها، وأوجدت لها فروعا ومكاتب في العواصم العربية تقوم بأدوار مركزية تتصل باحتفائيات، وجوائز سنوية وتكريم أعلام الشعر العربي وتصدير خطابه إلى الآفاق العالمية، وكانت دوراتها الأساسية تقام كل عامين في إحدى العواصم الكبرى، أمّا أنشطتها فهي مستمرة وعهدي بها طيلة الأعوام دون انقطاع.

رسمت المؤسسة لنفسها خطاً ثقافيًّا مفاده تلك الرؤية الحالمة التي نبعت من فكر مؤسسها الأستاذ الشاعر الأديب عبدالعزيز سعود البابطين الذي راهن على دور الشعر في حياة العرب، وبنى عزمه على الاهتمام به ،وبيان دوره في حياة الأمة باعتباره من أهم الأجناس الأدبية العربية المجسدة لخطاب الحياة ، فالشعر في رأيه « هو ديوان العرب وسجلّهم الموثوق الذي تغلغل في أدق شؤونهم فدوّنها وحفظها، وباعتبار الشاعر صاحب وعي متقدم بما وهبه الله من القدرة على الإبداع والشفافية ونفاذ البصيرة» ولم يكن اهتمامه بالشعر وإنشاء هذه المؤسسة الخاصة به كما يقول « ترفا ثقافيًّا واستعراضاً للإمكانات المالية ، وإنما تأكيد على مفهومه «الذي أشار إليه ونص عليه في مقدمة كتاب المؤسسة « سنوات من العطاء الثقافي، ص 3.

والبابطين مؤسسةٌ لم تُعن بالشعر جمعاً وتدويناً وإصداراً فقط، بل سعت إلى أن يكون له كياناً مادياً فيما يُعرف بالحاضنة الثقافية ، وقد تجلّت في مكتبة الشعر العربي ، وهي مكتبة كبيرة المبنى كلُّ ذخائرها دواوين الشعراء العرب وكنوزهم ، وما كتب عنهم تأصيلا ونقدا وتحليلا، وهي اليوم قبلة الباحثين والنقاد والقراء، ولا يمكن لأي باحث في الشعر العربي تجاوزها ففيها من نوادر مخطوطات الشعر وقصائده ودراساته القديمة وأطروحاته الثمينة التي لم تطبع وتسعى المكتبة إلى طباعتها وإخراجها إلى النور بعدما طوتها السنون وطالتها عربات الزمان بالنسي والهجران، مخطوطاتٌ شعرية وذخائر تمتد جغرافيّا إلى مكامن الشعر العربي من الأقاصي والمهاجر إلى المحور والأطراف، ومن الخليج إلى المحيط عبورا لكلّ قارات الدنيا.

شملت جهود مؤسسة البابطين الأقطار العربية كلّها ولم تحِدْ عُمان عن مثيلاتها العربيات من الحضور والتمثيل في أغلب فعاليات ، فوفودها الثقافية جابت الآفاق مع مثيلاتها العربيات وكان ذلك بفعل حضور شعرائها ومثقفيها وكتابها ، وقد شرفت بترشيح الكثير منهم باعتباري مندوبا للمؤسسة في السلطنة، فكانت قوائم المثقفين ترسل مني قبيل كلّ فعالية، فجبنا معهم أقطار ممتدة من سراييفو إلى طشقند ومن بلاد فارس حتى قاهرة المعز، وأقاصي مراكش وفاس وموريتانيا والأندلس، وكان الأمل أن تكلل جهودنا بعقد أحد دوراتها في زنجبار لولا ظروف استجدت لم تكن في الحسبان ، حتى أني سافرت للتمهيد لذلك الحدث في مارس من عام 1999م.

تميزت فعاليات البابطين بالحشد النخبوي الكبير من المثقفين والشعراء والصحفيين العرب الذين يفدون إليها من كلّ حدب وصوب في دعوات فخرية انتقائية، فطابع دورات البابطين اختيار عاصمة لتقيم فيها دوراتها، وفيها يُدعى ما لا يقل عن مائة إلى ثلاثمائة شخصية، وعادة ما تحظى برعاية رسمية من قبل رؤساء الدول التي تقام فيها، ويحضرها نخب الثقافة من تلك الدول ناهيك عن وزرائها ومسؤوليها، وتقام في أكبر القاعات وأكثرها رونقا لتضفي على الفاعلية بذخا وهالة كبيرة تناسب مقامه، وليس المقصود من ذلك الترف المادي والبذخ وإنما برأي صاحبها «أن الشعراء والمثقفين ليسوا بأقل مكانة من السياسيين الذين يقيمون مناسباتهم في أرقى الأمكنة والقاعات «، وما ذلك إلا كرم منه وحسن طوية.

كانت عُمان حاضرة في فعاليات هذه المؤسسة عبر ما قدّمناه عنها وما قدّمه غيرنا ، وكانت حصيلتنا الجهود الآتية:-

أولا: العمل مندوبا للمؤسسة ، والمندوب وظيفيّا بمثابة المسؤول الجغرافي عن عمل المؤسسة الثقافي والعلمي في القطر الذي يكون فيه، وقد تم تعييني مندوبا لمؤسسة البابطين للإبداع الشعري الكويتية في سلطنة عُمان خلال الفترة ( 1999 – 2004 ) بموجب رسالة أمين عام المؤسسة رقم 531 / مجب ، بتاريخ 30 / 3 / 1999. وكنت قبلها متعاونا مع المؤسسة في الفترة 1991- 1998م ، واقتصر دوري على أن أكون حلقة وصل تربط المؤسسة بالمثقفين العُمانيين والمشاركة في فعالياتها المقامة وإعداد الترتيبات الخاصة بدعوات الشعراء وترشيحهم للجوائز والندوات وسائر الفعاليات، وأكثر من ذلك الكتابة والتأليف وإبداء الرأي في كثير من القضايا العلمية ذات الاختصاص الأدبي عامة والشعري خاصة.

ثانيا : المشاركة في

لجان تحكيم جوائز المؤسسة:

لجانُ التحكيم في المؤسسة البابطين عنصرٌ قيَميٌّ لا يناله إلا من أوتي خبرة علمية ، ومكانة فكرية تقدرها المؤسسة وفق ضوابطها ، ومما أتشرف به إلحاقي بلجان عضوية تحكيم جائزة مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري ( لجنة تحكيم أفضل ديوان الشعر ) – وذلك . بموجب رسائل أمين عام المؤسسة م. ج . ب / 88 ، بتاريخ 8 / 2 / 2010 ، وكانت حصيلتها تلك اللجنة التي شاركت فيها الأستاذين الكبيرين الناقدين عثمان بدري ووهب رومية عميد كلية الآداب بجامعة دمشق ، وقد كانت لقاءاتنا بفندق «بلودان بدمشق» في صيف من عام 2010 مناسبة لإقرار الفائزين وإنهاء عملية الاختيار بمنهجية دقيقة وبرؤية علمية، وكانت لجنتنا مختصة بتحكيم وترشيح عشرة دواوين من المتقدمين لنيل الجائزة في هذا الفرع وكتابة تقرير مفصّل عن كل ديوان، وعن حيثيات اختياره ، وترشحه ، وترتيب الفائزين العشرة حسب قيمتهم من الأول حتى العاشر، وقد بلغت عدد الدواوين المتقدمة واحدا وثلاثين ومائة ديوان ، عملنا على اختيار الأجود منها .

ثالثا: المشاركة بالكتابة البحثية:

وهي تجربة مبكرة كلفتُ فيها بكتابة مبحث مفصّل عن الشعر العربي المعاصر في سلطنة عُمان ، وردت فصلا في معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين ,م5 , م 6، ( مزيدة ومنقحة ) وهو مدخل لدراسة الشعر العُماني يقدم رؤية شبه كاملة على مراحل وقد أصدرته مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، الكويت، 2002 ، ط1 ، ص ( 343 - 365 ) – ط2( ص 400 – 421 ). وفي هذه الدراسة تناولتُ مرجعيات الشعر ومراحله وأعصره وتجارب أعلامه وأغراضه وأنماطه، وانتهيت إلى رسم صورة كلية له في دراسة وصفية استفاد منها عدد الباحثين وكانت رائدة في وقتها ومفيدة، وقامت عليها عديد الدراسات والرسائل الأكاديمية واعتبرتها مرجعا من مراجعها.

رابعا: إعداد المختارات ومقدمات الشعر:

وهي مهمة علمية في غاية الأهمية ، فالانتقاء له من الصعوبة بمكان في ظل تجربة واسعة مترامية الأطراف ، لأن على القائم بها أن يقرأ إنتاج مراحل شعرية وتجارب متفاوتة، من هنا كان السعي حثيثا لاختيار الجياد الجواهر من القصائد ذات الشهرة وتحقق البنى الفنية والموضوعية، وقد عنيت بهذا العمل ، وقمت به باستشارة أهل الخبرة والدراية من أساتذتي وأصدقائي ولاسيّما أستاذي أحمد الفلاحي الذي كان لي عوناً ويدا لا يمكن أن أنساها.

بلغ عدد الأعمال التي قمت بإعداد تراجم ومختارات شعرية لها ثلاثين شاعراً عمانيًّا صدرت فصلا مستقلا في كتاب « مختارات من الشعر العربي الحديث في الخليج والجزيرة العربية ، ج5 ، ط1 ، إصدار مؤسسة البابطين، الكويت ، 1996 ، ص 447 – 534 ، وقد اخترت فيها قصائد منتقاة لأبي الصوفي، ولأبي وسيم الأزكوي، ولأبي سلام الكندي ، ولأبي الفضل الحارثي ، ولأبي مسلم البهلاني، ولأبي سرور الجامعي، ولابن شيخان السالمي، ولنور الدين السَّالمي، ولعبدالرحمن الريامي، وعائشة بنت صالح الحارثية، وللمحقق سعيد بن خلفان الخليلي، ولشاعر الشرق، ومن شعراء قصيدة التفعيلة سعيدة خاطر وسعيد الصقلاوي وهلال العامري ، من المحدثين لسيف الرحبي ، وسماء عيسى ، وعبدالله الريامي وزاهر الغافري ، وصالح العامري ، وسيف الرمضاني ، وعاصم السعيدي ، وعلي بن شنين الكحّالي، وسالم الكلباني ، وهلال السيابي ، ومحمود الخصيبي وعبدالله الطائي.

وفي مقام آخر قمت أيضا بإعداد تراجم ومختارات شعرية لخمسة وعشرين شاعراً عمانيّا صدرت فصلاً مستقلا في كتاب « مختارات من الشعر العربي في القرن العشرين ، ط1 ، مؤسسة البابطين ، ج3 ، الكويت، 2001 ، ص 5 – 109 . وقد قدّمنا لهذه المختارات بدراسة تحليلية وصفيه للشعر العُماني في العصر الحديث تناولنا فيها قيمة الشعر العُماني ومكانته في خارطة الشعر العربي ، وما تميز به من غزارة مادته ، وامتداد حضوره في مساحة جغرافية من عُمان حتى زنجبار، إضافة إلى السمات الفنية لأغلب تجاربه وخروجها من طابع الصنعة والتكلف التي سادت الشعر العربي في العصرين العثماني والمملوكي ، وعرّجنا على العوامل التي تضافرت على توجيه الحركة الشعرية العمانية والدفع بها إلى ميدان التطوير.

كما تناولنا شقي الشعر العُماني التقليدي والمحدث ، ففي الأول أشرنا إلى الأغراض التي بدت في هذا الشعر وهي أغراض ما انفك حضورها عن المتعارف عليه في أغراض الشعر العربي، وركزنا على أغراض العلاقات الإنسانية، والمواقف الفكرية ، كالرثاء والغزل والإخوانيات، وشعر الوصف والشعر السياسي الوطني الاستنهاضي ، والشعر القومي، وأشرنا إلى حضورها المكثف في تجارب أعلام الشعر كأبي مسلم البهلاني وابن شيخان السالمي المُحقق سعيد بن خلفان الخليلي وغيرهم من الشعراء الذين اخترنا لهم ، وانتهينا إلى تناول الشق المحدث عبر ما سُمّي بقصيدة التفعيلة ، أو شعر قصيدة النثر وأشرنا إلى ظروف نشأتها ومرجعياتها وميلادها وتكوينها وانبثاقها في خارطة الشعر العُماني، والعوامل التي دفعت بالشعراء إلى التجديد من مثل الاتكاء على مرجعية حضارية خصبة قابلة للتوظيفات، والتناصات الشعرية ومن خلالها استنبطت سائر الرموز الدلالية التي قامت عليها بنية النصِّ الجديد ، إضافة إلى ظهور الحركات السياسية التي غذّت النصَّ بملامح ثورية ، وحرص فيها الشعراء على إيجاد لغة خطاب شعري يبتعد عن المباشرة ، ويتوجه نحو الرمز والغموض والإبهام.

كما تناولنا عوامل كثيرة منها التأثير بما وجد في الثقافة العربية التي كانت المحفز لشعراء عُمان نحو التجديد كالمنابر الثقافية، ووسائل البث الثقافي ، والجمعيات والكيانات الأدبية في الخليج وما كان يدعو فيها شعراؤها المجددون وما يقدمونه من أطروحات نحو تطوير بناء النص شعري.

ولم ننسَ التأثر بالشعر العالمي والمذاهب الأدبية التي أذكتها ثورة الشعر العربي عند رموزه الكبرى كأدونيس والماغوط وغيرهما.

وختمنا دراستنا بالقول : إن الشعر العُماني كسائر الشعر العربي تأثر بالنصّ التراثي في طابعه التقليدي، وبنصه الجديد في طابعه المتجدد، ولكنه حافظ على خصوصيته وهويته المنبثقة من بيئته وكيانه وثقافته وحضارته وطبيعة أعلامه.

وقد كانت اختياراتنا في هذا العمل قائمة على أسس الشعر المتحقق المؤثر المعروف في المجتمع بقوة بنائه وجودة خطابه، وسمو معانيه وخاصة لدى الشعراء المعروفين ، ولم نعمد إلى الخيار الكامل للقصائد لطول بعضها ، بل لجأنا إلى مقاطع وأبيات مفردة تحقق شروط جودة الشعر عند هذا الشاعر أو ذاك؛ رغبة منَّا إلى تجسيد الأفضل المؤثر والأطراف والنادر والمتنوع الذي يمكن أن يُقال له شعر، فاختارنا جانبا من قصيدة «الفتح والرضوان في السيف والإيمان لأبي مسلم البهلاني، ورائية ابن شيخان في مدح الشيخ اطفيش ، وقصيدة لساني مملوء من القول جوهرا لأبي وسيم، وقصيدة « هو المجد لنور الدين السالمي، وقصيدة عُمان انهضي لأبي سلام ، وقصيدة « ما سجى قلبي غزال المنحنى لأبي الفضل ، ومسرحية الروعة لعبدالله الخليلي ، والوادي المقدّس لشاعر الشرق ، و« سلاما تراب العامرات» لعبدالله الطائي، و«بكاء الأقصى «لأبي سرور ، قصيدة «طه حسين» لهلال السيابي، ونصّ «صور» لهلال العامري، و«نذير بفجيعة ما» لسماء عيسى ، وقصيدة واقع العالم العربي لسالم الكلباني، وقصيدة «هولو عُماني» لسعيد الصقلاوي، والنصّ الشهير «بالجبل الأخضر» لسيف الرحبي، و«المقهى الطافي أمام بيت العجائب» لمحمد الحارثي ،وقصيدة نجاتي لحسن المطروشي، و«أمنية » لعلي الكحّالي، و«هذيان اليأس والجنون» لعاصم السعيدي، و«التعويذة الأخيرة» لسيف الرمضاني، والشكوى لعمر محروس ، و«إلى الله يمْمتُ السريرة والحُبَّا» لهلال الحجري ، و«أضغاث أحلام» لبدرية الوهيبية.

إن هذه المختارات أوجدت قيمة أدبية، فقد عرَّفت بالشعر العُماني ربما المغمور وقتها، وقامت عليها دراسات نقدية عربية أكاديمية وثقافية ورسمت خريطة واضحة لشعر عربي عريق لا يختلف عن نظيره في الأقطار الأخرى بل يتعالق معه قلباً وقالباً مع المحافظة على السمات الخاصة، وأحسب هذه المختارات أول قائمة شعرية يقدّم فيها شعراء عُمانيون على الصعيد العربي ضمن مدونة صادرة من مؤسسة متخصصة.

خامسا حضور فعاليات المؤسسة :

وفي مجال حضور ندوات المؤسسة، فقد شاركت عُمان في أغلب الندوات بالحضور وبخاصة الندوات والفعاليات المصاحبة كزيارة المعالم وتوزيع الجوائز المخصصة كجائزة الإبداع في مجال الشعر ، ونقده وجائزة التفوق الشعري ، وجائزة أحسن قصيدة وقد تجلى حضورها في الدورات الآتية : القاهرة 1990 - القاهرة 1991- القاهرة 1992 ( دورة محمود سامي البارودي ) – المغرب /فاس 1994 (دورة أبي القاسم الشابي)- أبوظبي 1995 (دورة أحمد مشاري العدواني) – ملتقى محمد بن لعبون بالكويت 1997 – بيروت 1998 (دورة الأخطل الصغير) – الجزائر 2000 (دورة أبي فراس الحمداني) – وملتقى سعدي الشيرازي إيران 2001 – البحرين 2002. ورغم حضور الوفود العمانية وعدم تخلفها كنا نطمح المشاركة بأوراق نقدية، أو حتى إدارة الندوات إلا أن عدم استجابة مطالبنا أحالت دون ذلك ، ولم أفهم شخصيّا الأسباب التي أدّت إلى ذلك وقد أرجع أسبابها إلى تلك الهيمنة القديمة على فعاليات المؤسسة من قبل مثقفي المراكز الذين لم يتيحوا الفرصة لغيرهم ظنا منهم أن الأدب والشعر في أقطارهم وحدهم لا غير.

ورغم حضور عُمان في دوريات المؤسسة وأنشطتها إلا أن جهدنا ظل قاصرا عن الإيفاء بحق ما كنت أرنو إليه وتقديمه تجاه بلدي ، وبما أراه حقاً لها ومنسجماً مع تراثها الشعري وقيمتها الحضارية الراسخة ،وذلك للأسباب عدة تندرج كلها ضمن تحقيق رؤية صاحبها وتوافق أعضاء مجلس الأمناء ، فالمؤسسة : كانت في عهد تواصلنا معها -محاطة بسياج مجلس أمنائها وهو مجلس سميك صعب اختراقه .. مجلس يؤمن بسلسلة من المبادئ رسمها صاحب المؤسسة ؛ وأولها أن الشعر هو الموزون المقفى ولا شيء غيره وبالتالي استبعد الجانب الجديد منه ، وثانيها أن الشعر لديه كلّ ما هو منظوم مقفى وإن غابت شروطه الفنية الأخرى؛ أي أنه يؤمن مطلقا بسلطة المنظوم على الوزن المقفى ولو كان نظما ؛ ولهذا امتلأت معاجم المؤسسة بالنظّامين والشعراء المجهولين وبعض الفقهاء والمعلمين الذين سخروا نظمهم خدمة للعلوم لا غير وذلك لعمري ليس بشعر كله ولو احتوى فعلى ومضة خاطفة. وثالثها أن بعض أعضاء مجلس الأمناء كانت تحركهم نزعة قديمة مستنبطة من عقدة المراكز وهيمنتها على الأطراف، وبالتالي بدت النظرة الأحادية لديهم واضحة حول شعر مصر والشام والعراق مهيمنة على ما سواها من أقطار أخرى ، فاضمحل أو قل غار شعر الحواف ولم يلق اهتماما كبيرا، فغابت عن أنشطة المؤسسة دول كثيرة وركزت الجهود على دول معينة كانت الكويت استثناء فيها فهي بحكم هوية المؤسسة ووطنية مؤسسها حضرت في كل فعالية وكأن المقصود إيصال رسالة شعر الكويت إلى العالم ولو كان نبطيًّا وأحيانا ينتمي إلى النظم ، وفي كثير من الدورات جاءت الكويت مرتبطة بفعالية مصاحبة ، فيحضر أحد شعرائها الأقل مستوى وجودة في مقرونا باسم شاعر عربي، ولو كان الفارق الفني بينما واسعا، والبون بينهما كبيرا ، وهذه ما أبعدها عن الهدف الذي صرّح به مؤسسها ، ونادى به منذ إعلان إشهارها الأول: بأنها تحاول أن تكون بعيدة عن الإقليمية الضيقة...

من هذه المنطلقات لم تحظ اقتراحاتنا بتخصيص دورة لشاعرنا العُماني أبي مسلم البهلاني وتحققت مناداتنا باسم عبدالله الخليلي متأخراً ، فقد اقترحت علي المؤسسة إقامة ندوة عن أي من الشاعرين في مسقط أو زنجبار، ولم يلق اقتراحي موافقة ولا رداً.

كما أني دخلت في جدلٍ فكري حول طلب المؤسسة وهي تعدُّ معجمها الكبير الذي صدر في عشرين مجلدا شعراء العربية في قرنين حول استبعاد النظم منه، وعدم الرغبة في ملء الخانة العُمانية بنظميين ، فكان ردُّ المؤسسة بتغليب الكم على الكيف، فبدا بعض الشعراء العُمانيين في هذا المعجم بنماذج يفترض أن يعاد النظر فيها، وأسماؤهم مستلة من مدونات متحققة للشعر العُماني كشقائق النعمان» و«قلائد الجمان» وغيرهما ، وقد نجم عن هذا الرأي الجدلي إقصاء تعاوني مع المؤسسة، وعدم إكمالي المسيرة واقتصرت جهودي على الترتيبات الإدارية خاصة بعد أن قللت المؤسسة أنشطتها بعد ذلك اللمعان والسطوع في أفق الثقافة العربية ..

ومع ذلك ظلت المؤسسة مشعلَ ثقافةٍ ينتظره المثقفون ويسألون عنه بشغف ويرسلون إلينا باقتراحاتهم فما أن يهلَّ شهر أكتوبر من كلِّ عام تردُ إلينا خطابات الدعوة وترتيبات الأسفار مع ما يصحبها من حملٍ لإصدارات كثيرة كنتُ أتمنى أن تكون أسفارها لشاعر من بلدي عُمان بمثل ما كنت أتمنى أن تقام إحدى دوراتها عن قطب شعري من أقطابها والأمل معقود على برنامج المؤسسة القادم وإن طال الزمن.

قد يهمك ايضاً

تعرف على أبرز المعالم الأثرية الرومانية حول العالم من "بعلبك" إلى "روما"

أجمل مناطق السياحة في مقدونيا لهذا الخريف منها هيراكليا لينكستيس