بيروت ـ وكالات
نحو سبع سنوات تفصل بين آخر فيلم أنجزه زياد دويري و"الصدمة" (2012) الذي شارك أخيراً في عدد من المهرجانات العالمية، أبرزها سان سباستيان، ومراكش حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى وصولاً الى دبي. لم يكن غياب صاحب "ويست بيروت" اختيارياً، بل كانت فترة صعبة مليئة بالشكوك بالنسبة الى المخرج اللبناني الذي قضى أوقاتاً قاسية وهو يعمل على فيلمه الاخير، هذا بعد انسحاب شركة "يونيفيرسل" من المشروع. فالفيلم المبني على رواية ياسمينة خضرا، يتطرق الى موضوع حساس ونتابع فيه قصة الجرّاح العربي الاسرائيلي أمين الذي تنقلب حياته بعدما تنفّذ زوجته عملية انتحارية. كان لـ"صدى البلد" الحوار الآتي مع زياد دويري في إطار مهرجان دبي السينمائي الاخير. • بداية، ما الذي جذبك في قصة ياسمينة خضرا؟ - الرواية مشبعة بالدراما وفيها موقف إنساني قوي وكذلك قصة حب جارفة. كما أن إطارها يزيدها قوة. اقترحت عليّ شركة "يونيفيرسل" ان أنقل العمل الى الشاشة، وأعجبتني الفكرة كثيراً. ولكن أصحاب المشروع سرعان ما انسحبوا بعدما اعتبروا أنني أعطي تبريراً للعمليات الانتحارية. فبالنسبة اليهم، هذا خط أحمر وليس هناك ما يبرر أن يقدم الانسان على هذه الخطوة. أما أنا، فأخذت القصة الى أبعد من ذلك. واعتبرت أن العمليات الانتحارية لها أسبابها بالطبع. وكان المشهد الذي يصل فيه أمين الى جنين حيث دُوّن "غراوند زيرو" النقطة الحاسمة التي جعلتهم يعتبرون انني أقارن نيويورك بجنين. فوكّلت محامياً وبدأت العمل مع المنتج الفرنسي جان بريا. بعد نقاشات دامت سنتين، قبلت الشركة ان تمنحنا الحقوق، لكن الثمن كان باهظاً. وقَبِلت توزيعه في النهاية، علماً أنني كنت بدأت العمل على الفيلم منذ العام 2006. • ماذا كنت تفعل طيلة هذه المدة؟ هل كنت تعمل على شيء آخر؟ - نعم، كنت أكتب عملاً آخر. ولكن تلك الفترة كانت صعبة جداً لأنني فقدت الامل، وشعرت أنني لم أعد أجيد العمل، خصوصاً وأن الناس كانوا يسألونني "متى فيلمك القادم؟" ويذكرونني بموقفي الصعب وكان الامر جارحاً لأنهم على حق أن يطرحوا السؤال. فقد طال غيابي، وكان من المفترض أن أنجز 3 افلام في هذه الفترة. ولكنني مررت بمرحلة صعبة جداً وأصبحت أشك بنفسي ولم أكن متصالحاً مع ذاتي. كان بين يدي مشروع قوي جداً، وأخذه الاميركيون مني ولم يرضوا أن يعطوني إيّاه لأسباب مقززة. فكنت في وضع مادي ونفسي صعب. • ولكنك في الفيلم تشدد أكثر على الناحية النفسية للشخصية ولا تتخذ اي موقف سياسي... - بالنسبة الى بعض الاشخاص، سواء كانوا فلسطينيين ام يهودا، عدم التحيّز يعني التحيز. أكثرية ردود الفعل السلبية التي أتت من بعض الفلسطينيين، وأشدد على كلمة بعض، جاء فيها أنني أتبنى وجهة نظر الاسرائيليين. وكأن الامر خطأ. إن كنت تريد أن تنجز فيلماً قوياً، فعليك أن تظهر مختلف وجهات النظر. هذا لا يعني أنك متحيّز أو أنك موافق على الاحتلال الاسرائيلي. في السينما والدراما والادب، عليك أن تظهر وجهات النطر. كل انسان له وجهة نظر. هيتلر كان يملك وجهة نظر! ونحن كفنانين، من واجبنا ان نبني وجهة نظر، وليس أن نتبع التيار. ليس كل شيء عبارة عن "كليشيه" وشعارات. لا تهمني هذه البروباغندا والشعارات. ولكي أبرز وجهة نظر الشخصية الرئيسية، علي أيضاً أن أظهر وجهة نظر عدوها. هذه هي السياسة التي اتبعناها أنا وجويل لدى صياغة السيناريو. • ما هو مفهوم الارهاب؟ - الارهاب هو عندما ترهب شعباً بأي وسيلة... صعب أن أجيب. هو سؤال فلسفي مجرّد. هل العمليات الانتحارية ارهاب؟ انا ضد العمليات الارهابية على المواطنين الابرياء. ولكنها حرب في النهاية. والحرب لا تميّز بين البريء وغير البريء. عندما يفجّر الفلسطيني نفسه، يبقى السؤال الاهم لماذا؟ هل يمكن للعمليات الارهابية ان تؤدي الى نتيجة؟ لا اعرف انه موضوع فلسفي. وانا لست انساناً فلسفياً او تحليلياً، انا أعمل في الفن والسينما. وعلي أن أنظر في ما يساعد فيلم السينما اكثر وليس ما يساهم في القضية الفلسطينية، مع أنها في قلبي وكذلك الصراع ضد الديكتاتوريات، ولكن في النهاية، واجبي أن أنجز فيلماً جيداً مؤثراً... أتكلم من الناحية السينمائية. • ما الذي لم يعجب ياسمينة خضرا في نهايتك؟ - لم يقل أنها لم تعجبه، ولكن كان لديه تحفظ، لأن نهايته كانت جميلة جداً وغيّرتُها. لذا من الطبيعي ان يشعر بنوع من التحفظ. ولكننا التقينا بعد شهر، وجاء مع زوجته وابنه ورئيس دار النشر، وشاهدوا الفيلم وأحبّوه جداً. وخفّ تحفّظه هو وقال لي إنه ربما احتاج الى المزيد من الوقت وقد يشاهده مجدداً بعد عام ويحبّه كثيراً. ذهبت لرؤيته قبل أيام من قدومي الى دبي مع جويل لأشرح له وجهة نظري، مع أنني لست على أي خلاف معه. وكان بيننا حديث صريح جداً ، فهو انسان يتمتع بعقل منفتح. وفي آخر الحديث، قال لي إن لديه كتابا جديدا واقترح عليّ أن أصوره فيلماً! • هل تفكر في ذلك؟ - نعم. هو كاتب ممتاز. ياسمينة خضرا يستحق النوبل. قرأت كتبه جميعها، وكل واحد أقوى من الآخر. فهو يعرف كيف يجعلك تتعلق. وهذا ما أثّر فيّ في الكتاب. • هل سيعرض الفيلم في لبنان؟ - مبدئياً نعم. وكان موقف الامن العام ممتازاً منه. اللواء عباس ابراهيم أدهشني. وأظن أن من يعملون في الامن العام يتمتعون بانفتاح ذهني كبير. وبحسب ما فهمته، ان الامن العام يقبل بالكثير من الامور أحياناً، ولكن اعتراضات الشارع تدفعه الى سحب الافلام. في بعض الاوقات، الجهات العسكرية في لبنان تتمتع بانفتاح أكبر من المدنيين. وهذا امر يدعوني الى الدهشة. • لمَ لم يقدم لبنان الفيلم لجوائز الاوسكار؟ - قدمناه الى وزارة الثقافة، لكنهم رفضوه وعزوا السبب الى وجود ممثلين يهود في الفيلم. الجميع في اميركا نصحوني بأن أقدمه الى الاوسكار لأنني أملك فرصة في أن يُقبل. لا يعني الامر أنه سيفوز، ولكن على الاقل كانت هناك فرصة في أن يترشح. تصوري لو أن فيلماً لبنانياً ترشح للاوسكار. هل كان الامر سيضرّ ببلادنا؟ أم أننا نفضل التركيز على إنجاز أكبر صحن حمص وتبولة؟ أنا غاضب جداً من هذا الرفض، وأريد أن يعرف الجميع ذلك. لقد مُنع عليّ أن اترشح للاوسكار لاسباب غير منطقية.