الحبّ صنيعة النساء  للكاتبة السعودية سارة مطر
آخر تحديث GMT14:53:36
 عمان اليوم -

"الحبّ صنيعة النساء" للكاتبة السعودية سارة مطر

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - "الحبّ صنيعة النساء"  للكاتبة السعودية سارة مطر

الرياض ـ وكالات

يبدو أنّ الكاتبة السعودية الشابة سارة مطر استساغت فكرة «الأدب الذاتي»، أو بمعنى آخر معادلة أن تكون هي اللاعب والمؤلّف معاً. فبعد كتابها الأول الذي جاء بعنوان بديع «قبيلة تُدعى سارة» (2008)، تُصدر مطر عملها الثاني «الحبّ صنيعة النساء» ليُكرّس ميلها إلى الفردانية في كتابتها الإبداعية. في هذا العمل الذي يندرج في قائمة «اليوميات»، تبرز رغبة الكاتبة العارمة في رصد حيوات الآخرين وتجاربهم من خلال النظر في مرآة نفسها والغوص في عمق ذاتها. لذا، نجد أنّ «الأنا» في كتابتها تُشكّل المحور الذي تدور حوله الأحداث كافة، بل إنّها مادة بحث الكاتبة التي لا تبرح تترصّد حركة نفسها الباطنية، فنراها تُدوّن يومياتها الحميمة بلغة صادقة وشفافة. تحاول كاتبة هذه اليوميات الإيهام بأنّ هدف التدوين اليومي هو تقليص المسافة بينها وبين حبيبها البعيد - يعرب الناصري - وكشف ذاتها أمامه. لذا، فإنها تتوجّه إليه بضمير المخاطب كقولها: «هل أخبرك؟ أو أنّ عليّ أن أخبرك برجوعي عن قرار الهروب منك، فيختفي في داخلي وجعي؟». وعندما تُحوّل المُخاطب (يعرب) إلى غائب نلتمس نيّة الكاتبة الحقيقية في التواصل مع القارئ الذي يغدو هو المُخاطب: «بدوت متحمسة لرؤية يعرب بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر لم أقم فيها بزيارة خاطفة إلى لندن، متحمسة جداً كما وكأني سأذهب إلى رحلة سياحية. ألم أقل لكم إني لم أغادر حتى الآن عمر الخامسة عشرة». إلّا أنّها في الواقع تعتمد في كتابتها أسلوب البوح المباشر الذي يضعها في لقاء غير مباشر مع القارئ الذي نجده مختبئاً وراء شخصية الحبيب. وهذا ما نلمسه أيضاً في تغيّر موقع الحبيب الذي تنفي عنه صيغة المخاطب ليغدو في نصوص أخرى هو الغائب: «لم أتصوّر أن يكون في حياتي رجل يُشبهه. لم أحلم أن يسكن قلبي رجل غيور مثله. حينما أحببته لم أتصوّر كيف ستكون حياتي من دونه. كنت أردّد طويلاً أنّه رجل يغار من نسمة الهواء إن مرّت صوبي، بل غيّور جداً ومزاجه متقلّب أيضاً، وأحياناً يتحوّل إلى رجل كطفل، ويفرض أشياء كثيرة عليّ». وفي كلا الحالين، تأخذ مطر من هذا «المُخاطب» ذريعة لتبني جسر عبور يقودها إلى ذاتها التوّاقة إلى الحريّة والتغيير، ذات المرأة الحالمة بربيعها. فهي تكتب وكأنّها تقوم بفعل استبطان يُحفّزها على التعبير عن أسئلتها ومخاوفها وانطباعاتها كافة. فالمرأة العاشقة للحبّ والسفر والقراءة والتسوّق تخاف على نفسها من الاختناق، بل تخاف من أن تُصبيها عدوى الاكتئاب التي أصابت مجتمعها: «أنا أبحث عن وطن لا يعيش فيه مكتئبون يقسون على أنفسهم، ويُمارسون جلد الذات على الآخرين». أمّا أكثر ما يُثير الدهشة في نفس قارئ هذه اليوميات فهو مدى خفّة انتقال كاتبتها من التفاصيل الصغيرة التي تصوّر لحظات انتظارها في مطار دبي مع الغرباء والأجانب مثلاً، أو هرولتها وصديقاتها تحت رذاذ المطر في شوارع «كان» الفرنسية أو حتى كيفية تناولها شوربة الدجاج مع المرق، إلى المواضيع الكبرى والقضايا الشائكة. وهي لا تتوانى أيضاً عن تقديم نقد لاذع للمجتمع الذي تعيش فيه: «ولأنّي أعشق الحريّة وأكره القيود وتكبيل الذات، كنت أشعر بأنّ حتى مساحة الحريّة التي أملكها في مدوّنتي انتُهكت بسبب أمثال ذلك الرجل... وأدركت لماذا يشعر الجميع في وطني بالملل والكآبة. والسبب أننا لا نملك حق الحريّة، نخاف أن تُطاردنا الخطيئة، ونُشتم أمام الناس ونُهان أمام أنفسنا قبل الآخرين». هذا الموقف النقدي الذي يُميّز يوميات سارة مطر يمنح كتابتها أيضاً بُعداً إنسانياً وثقافياً تُعزّزه الكاتبة باستخدام ثقافتها الأدبية والسينمائية التي تمتدّ على طول الكتاب. وبهذا تتجاوز هذه اليوميات دورها التقليدي كتوثيق الذكريات التي يُهدّدها الزمن أبداً ودوماً، لتصبح «تنفيساً» عن ثورة الكاتبة الشابة الداخلية ضدّ كلّ شكل من أشكال القيد المفروضة: «إنّ ما يُقلقني حقاً، أني أتقاسم حياتي التي أعشقها مع مجموعة هائلة تعيش حالة من الاكتئاب المتلازمة معها ولا تريد أن تُغادرها، وربما أسوأ ما يُمكن أن يمرّ عليّ في حياتي، أن تصل هذه الحالة إليّ وأنا لا أريدها ولا أريد أن تُسيطر عليّ». ومع هذا، فإنّ سارة مطر لم تظهر في يومياتها كاتبة «نسوية» بمعنى تبنيها قضية المرأة - باعتبارها امرأة - في مجتمع ذكوري، بل هي تناصر أيضاً الرجل في حال كان مظلوماً أو مسلوب الحريّة والإرادة. وهي لا تقف عند حدود العنوان الذي اختارته لكتابها «الحبّ صنيعة النساء»، بل تؤكّد أن الحبّ الحقيقي لا يصنعه أحياناً إلّا الرجال. وهي تتوجه في أحد نصوصها «بكاء في المطعم الأرمني» إلى عبدالرحمن - رجل لا تعرفه - وإنما تأثرّت بقصته: «لسن وحدهن النساء يمتلكن موهبة الألم، وإنما الرجال أيضاً يعرفون مذاق العذابات المالحة... عبدالرحمن، لا أعرفك، لكني أحترمك جداً، أكثر مما تتخيّل». أن تكتب شابة سعودية يومياتها - بعد مدونتها الأولى - وأن تُسمّي الأشياء بأسمائها فهذا يعني أنّها تملك من الجرأة ما يكفي لأن تقرأها وتكتشف ما تُخبّئ في جعبتها.

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحبّ صنيعة النساء  للكاتبة السعودية سارة مطر الحبّ صنيعة النساء  للكاتبة السعودية سارة مطر



اختيارات النجمات العرب لأجمل التصاميم من نيكولا جبران

القاهرة - عمان اليوم

GMT 14:08 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
 عمان اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 14:06 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
 عمان اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 12:29 2024 السبت ,18 أيار / مايو

استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ
 عمان اليوم - استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab