طيّار من المنّوفيّة

طيّار من المنّوفيّة

طيّار من المنّوفيّة

 عمان اليوم -

طيّار من المنّوفيّة

بقلم : سمير عطا الله

 عاشت مصر عبر تاريخها في ظلّ ملوك كثيرين، كانت آخرهم سلسلة محمد علي، التي بنَت الكثير من التاريخ الحديث. وعندما أُعلن إلغاء الملَكية عام 1953، دخلت النظام الجمهوري تدرّب نفسها على مفاهيم حكومية غير مألوفة. وسرعان ما أخذ جمال عبد الناصر البلاد في اتّجاهه الثوري، مقلّماً من حوله، جميع الآثار السابقة. وشيئاً فشيئاً، ألغى كلّ علاقة بالغرب مندفعاً نحو الشرق السوفياتي. وعندما غاب وخلفه أنور السادات، رفع شعاراً مختصراً يقول إنّ 99 في المائة من أوراق الحلّ هي في يد «أميركا». وأقدم على خطوة لا سابقة لها فأعلن طرد عشرين ألف خبير سوفياتي، كان وجودهم يعبّر عن مدى ارتباط مصر بالمنظومة الروسية. ثم ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، عندما طار إلى القدس وهو يمسح بمنديله العرق المتصبب من جبينه، ويصافح أركان الوجود الإسرائيلي واحداً واحداً.
لم يكن متوقّعاً على الإطلاق أن يخلف أنور السادات رفيقه عبد الناصر. ولا توقّع أحد بالتأكيد أن يُقتل السادات على منصّة 6 أكتوبر، ويخلفه نائبه، الفريق طيّار حسني مبارك. لا شكّ أنّ أكبر المتفاجئين بذلك الحدّ من القدَر المصري، كان مبارك الذي يصفه عمرو موسى بأنّه «منّوفي بكلّ معنى الكلمة، ليس من السهل خداعه». ويضيف موسى أنّ مبارك «كان يتمتّع بتوازن مبسّط للأمور: أمن الرئيس وبرستيجه وأمن الدولة داخلياً والتواصل مع الناس وأن يظهر لهم على سجيّته». لقد قرّر المنّوفي «الحدق» ألّا يأخذ مصر إلى أي مكان. لا يساراً ولا يميناً. وأن يعيد إليها عافيتها بإراحتها من الشدّ والجذب والصراعات والخروج عبر الحدود. لذلك، يقول موسى: «ترك لمعمّر القذّافي التنقّل على فرسه بين ممالك أفريقيا، ولم يقترب من فناء لبنان، مدركاً مدى حساسية الموضوع بالنسبة إلى سوريا». شرح «المنّوفيّة» كما يعنيها عمرو موسى: الحذر أو التروّي. فقد كان الرجل عسكرياً مثل أسلافه، لكنّه اختلف بكونه طيّاراً، شديد الحسابات، واسع الرؤية، ويحسب حساب الخسائر قبل حساب الربح. وطالما لفتني في متابعة الرجل، أنّني لم أسمعه مرّة يخطب، إلّا من كلام مُعدّ ومع الحرص البالغ على التحريك، فلا يسيء لفظ كلمة خشية أن يُساء فهمها. وبعدما أبحرت مصر لحقبة طويلة بين أمواج أميركا وأمواج الشرق، سافر في أنحاء العالم، محاذياً للسواحل، متجنّباً مفاجآت الأعاصير.
ضَعُف حسني مبارك أمام إغراءات السلطة. ومع الاستقرار الذي عاشته البلاد في أيامه، صار مقتنعاً بأنّه هو حلّ الاستمرارية، بل إن من بعده ابنه. وعندما يقع الطيّار في خطأ الحسابات وتغفل عنه كلّ دقّته الماضية، يحدث السقوط. أو سمّه «التنحّي» كما أراد. لم يستطع البقاء منّوفيّاً حتى اللحظة الأخيرة.

 

omantoday

GMT 18:57 2024 السبت ,11 أيار / مايو

الحياة تغيرت

GMT 18:55 2024 السبت ,11 أيار / مايو

عن التقدم والتقدميين

GMT 15:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

فن الكذب عند ترامب!

GMT 15:41 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

مواسمُ الأعياد.. والقلوبُ الحلوة

GMT 15:40 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

بورصة التغيير!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طيّار من المنّوفيّة طيّار من المنّوفيّة



النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

الرياض ـ عمان اليوم

GMT 10:05 2024 السبت ,11 أيار / مايو

طرق تنظيف أنواع الكنب ووسائده المختلفة
 عمان اليوم - طرق تنظيف أنواع الكنب ووسائده المختلفة

GMT 09:41 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

محمد عبده يغني في أول ظهور له بعد إعلان مرضه
 عمان اليوم - محمد عبده يغني في أول ظهور له بعد إعلان مرضه

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 17:07 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 09:32 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج القوس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab