هوامش ومتون المسرح، في ليلة وحشته

هوامش ومتون: المسرح، في ليلة وحشته!

هوامش ومتون: المسرح، في ليلة وحشته!

 عمان اليوم -

هوامش ومتون المسرح، في ليلة وحشته

بقلم : عبدالرزّاق الربيعي

قبل أيّام قليلة، مرّ يوم المسرح العالمي (27 مارس) بهدوء، لا عروض، ولا احتفالات، كما اعتدنا في كلّ عام، فبقي المسرحيون قابعين في بيوتهم، حتّى أطلق أحد المسرحيين على تلك الليلة «ليلة الوحشة»! لكنّهم لم يكتفوا بمباركة بعضهم، البعض، عبر الرسائل، والاتّصالات، ومنشوراتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل تجاوز ذلك إلى تقديم عروض سبق للجمهور أن شاهدها، عبر شبكات التواصل، ولعلّ الفنانة المسرحية الأردنيّة «أسماء مصطفى» هي الأنشط في هذا المجال، إذ قدّمت العديد من العروض لمتابعي صفحتها في «الفيسبوك»، وضمن هذه الأجواء التي صار فيها فايروس «كورونا» هو البطل الأوحد في الساحة، بدّدت الهيئة الدولية للمسرح، وحشة المسرحيين العرب بنشر كلمة ، دعت لكتابتها المسرحي الباكستاني «شاهد نديم»، كما اعتادت في كلّ عام بهذه المناسبة، وكانت الكلمة حاشدة بالكثير من العبارات، والدروس التي من شأنها أن تمنح العاملين في حقل المسرح طاقة إيجابيّة، وحماسا للعمل المسرحي، وقد استوقفتني في هذه الرسالة فقرة تقول «في عام ٢٠٠٤، وبعد عرض مسرحي في البنجاب اقترب رجل عجوز برفقته صبي صغير من الممثل الذي يؤدي دور الشاعر الصوفي الكبير بولهي وقال: «حفيدي مريض جداً، أرجو أن تدعو له بالشفاء». فوجئ الممثل وقال: « يا أبتاه لست بولهى شاه، أنا مجرد ممثل يؤدي دوره». عندها أخذ الرجل العجوز بالبكاء وقال: «أرجوك كل ما أطلبه هو الدعاء لحفيدي، أنا متأكد من شفائه لو تكرمت بالدعاء له»، فاقترحنا على الممثل أن يلبي رغبة الرجل العجوز، وبالفعل قام الممثل بالدعاء للصبي وإرضاء الرجل العجوز»
تلك الفقرة تؤكّد أن الممثل البارع صاحب الرسالة، يكسر مساحة الإيهام، ويجعل عامة الجمهور يرفعه إلى مقام رفيع، قد يصل إلى مرتبة القداسة، وقد ذكّرتني بأغرب ما مرّ بي، في أواخر الستينات، ببغداد، ومدينتي الشعبيّة التي كانت تسمّى آنذاك «مدينة الثورة»، عندما تقام في العشر الأوائل من شهر محرّم الطقوس التي تجسّد واقعة «الطف»، كنت أرى نساء يتجمهرن في مكان واحد، وينتظرن سقوط الممثل الذي يؤدي دور» الحسين» ليهجمن على التراب الذي يسقط عليه، ويحملنه للتبرّك به، مع أنه قبل لحظات من سقوط الممثل لم يكن سوى تراب لا يختلف عن سواه!!
عندما نفحص هذين النموذجين، نكون قد تجاوزنا مجال الممثل المندمج وفق نظرية المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي التي ذكرها في كتابه «إعداد الممثل» وتتلخص بأن الممثل عندما يؤدي دوره ينبغي عليه معايشته معايشة حقيقية قائمة على الصدق في الأداء والتعبير، وندخل في فضاء آخر هو الجمهور المندمج !، وهذا يحدث معي في أحيان كثيرة عندما أعتلي خشبة المسرح لأحيي ممثلا أدّى دورا أبهرني، فأقدّم له التهنئة على نجاحه في الأداء، وأفاجأ بأنّ الممثل، خصوصا إذا لم تكن تربطني به معرفة سابقة، يمتلك صفات جسمانية تبدو مختلفة عن التي رأيتها، وأنا أشاهده من مقعدي بين الجمهور، وهو يقف على خشبة المسرح ، يمثّل الشخصيّة المسندة إليه!! كأن يبدو على الخشبة أطول قامة، مما هو عليه في الحقيقة، أو أكثر مهابة، أو أقل وسامة، أو العكس، وهذا الاختلاف هو المساحة التي يلعب عليها الممثل حين يتقمّص شخصيّة ، فيكون قد خرج من جسده الحقيقي ، ودخل في جسد الشخصية التي يجسدها، وحين ينتهي العرض، ويرمي ثياب الشخصية، شعوريّا، حتى لو بقيت الأكسسوارات نفسها، يكون قد عاد إلى حجمه الطبيعي!
الواقعة التي تحدّث عنها الباكستاني «شاهد نديم»، وما خزنته ذاكرتي من مشاهد محفورة من زمن الطفولة، وما تحمل في طياتها من قراءة ميثولوجية، واندماجي مع الشخصيات التي يؤدّيها الممثلون كلّها تؤكد قيمة المسرح، ودوره في حياة الشعوب، وفعله الحقيقي، الذي لم يجعله يقف منعزلا عن قضايا أفراد المجتمع، وتطلّعاتهم، وها هو يؤكّد ذلك في زمن «كورونا»!!
 

 

omantoday

GMT 03:16 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

هذا اللقاء الفريد

GMT 03:14 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

ماكرون الغاضب

GMT 09:17 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 09:16 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

حرية الصحافة!

GMT 09:15 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

أشغال شقة (الكوميديا) الطازجة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هوامش ومتون المسرح، في ليلة وحشته هوامش ومتون المسرح، في ليلة وحشته



الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

مسقط - عمان اليوم

GMT 11:35 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

توقعات الأبراج اليوم الأحد 18 يونيو/ حزيران 2023

GMT 13:44 2023 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 30 سبتمبر/أيلول 2023

GMT 02:47 2023 الإثنين ,31 تموز / يوليو

توقعات الأبراج اليوم الأثنين 31 يوليو/ تموز 2023

GMT 11:29 2023 الجمعة ,29 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 29 سبتمبر / أيلول 2023

GMT 02:24 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 11 سبتمبر ​/ أيلول 2023

GMT 12:35 2023 الأحد ,25 حزيران / يونيو

توقعات الأبراج اليوم الأحد 25 يونيو/ حزيران 2023

GMT 02:51 2023 الإثنين ,21 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الاثنين 21 أغسطس /آب 2023

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 12 مارس 2024

GMT 11:41 2023 السبت ,10 حزيران / يونيو

توقعات الأبراج اليوم السبت 10 يونيو/ حزيران 2023

GMT 09:35 2023 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 30 أغسطس/آب 2023

GMT 02:47 2023 الثلاثاء ,15 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 15 أغسطس/آب 2023
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab