في العمق كورونا كوفيد 19 وإعادة توجيه المسار

في العمق: كورونا (كوفيد 19) وإعادة توجيه المسار

في العمق: كورونا (كوفيد 19) وإعادة توجيه المسار

 عمان اليوم -

في العمق كورونا كوفيد 19 وإعادة توجيه المسار

بقلم : د. رجب بن علي العويسي

يعيش العالم في ظل انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) جائحة عظيمة وواقعا مريبا، وظروفا صعبة، ووضعا متأزما، وحالة من التغيير التي وسعت كل شيء، وارتبطت بكل مقومات حياة الإنسان الاقتصادية والاجتماعية وأساليب العيش وأساسيات التعامل وأنماط الحياة، وفرض واقعا جديدا، وتحديات اقتصادية واجتماعية وصحية متزايدة، وما ارتبط به من تغيرات غير مسبوقة في المفاهيم والمصطلحات واختلال في الظروف التي تتعايش فيها.
والمتتبع لأحوال العالم في ظل هذه الأوضاع وبعض ما خلفه كورونا (كوفيد19) من مآسٍ راح ضحيتها مئات الآلاف من البشر حول العالم يجد بأن دوله تتباين في فهم مدلولاته والغوص في أعماقه وإدراك ما يحمله من رسالة الحياة وما يؤسسه من منهجيات ومسارات لبناء المستقبل؛ فمن الدول والمجتمعات والحكومات من وجدت في هذه الجائحة تحديا عليها أن تتعامل معه بفقه إدارة الأزمات والمخاطر والجوائح، فتبحث له عن معالجات جذرية، وتؤسس في سبيل رسم معالمه البدائل وتنتج الحلول، فتؤطر له فلسفة عمل ونهجا يتجه بها إلى مسار القوة، وعبر صناعة جديدة للإنسان تأخذ في الحسبان كل المعطيات والمواقف والأحداث التي ارتبطت بفيروس كورونا، منطلقا لها لإعادة النظر في واقع التعليم والاقتصاد والفكر وهندسة الأعمال والثقافة وغيرها كثير، لتتجه بها إلى مزيد من التقنين والتنظيم وإعادة تصحيح المسار الذي سلكته، والنهج الذي التزمته، والطريقة التي اتبعتها، بشكل يتناغم مع أطر الحياة، ويتوافق مع متطلباتها، وينسجم مع مدركات الكون ومستلزمات الواقع، وتوجيه الرصيد الثقافي المتمثل في منظومة القيم والأخلاقيات والهويات والعادات والتقاليد والتراث المادي وغير المادي لصناعة التحول القادم، والدخول به في إدارة حركة التغيير وإنتاج التوازنات بالشكل الذي يضمن نقله من حالة الاستهلاك السلبي وتجميع المعرفة وحيز الترديد والتنظير والاجترار لها والممارسة السطحية، إلى إنتاجها وتوجيه القدرات نحو استكشاف الواقع والدخول في أعماقه ورصد حركته؛ وبين من يقرأ في هذه الجائحة كمثيلاتها سحابة صيف لا تمكث طويلا حتى تنقشع وغمامة ستزول على مر الوقت لذلك ليس من الحكمة شغل الهاجس بها أو تصحيح المسار الطويل من أجلها، لذلك فهي لم تحدث له في أرض الوقع إلا المزيد من الاستهلاك السلبي للأفكار والموارد والترديد المستمر للمعلومات، وتناقل أفكار الآخرين وأطروحاتهم والمواقف والأحداث التي يثيرونها في منصات الإعلام وقنواته وفضائياته، آخذا بشعار أن العالم كله قرية واحدة، ومبدأ أن الإنسان مدني بطبعه، فلم تعد الجهود التي يقدمها أن تكون نمطية والممارسات شكلية والسلوكيات مستهلكة، وليس له من الأمر شيء إلا الدعاء ورفع الأكف إلى السماء وطلب العون دون أدنى تعب أو بذل جهد في الأخذ بالأسباب والبحث عن المسببات وتقييم للواقع؛ بل انتظار مقيت وسبات عميق وانزلاق في غياهب الجوف، شعارات جوفاء، وعبارات منددة للسلوك الذي اتجهت له الإنسانية فأدى إلى بروز هذه الجائحة التي عصف بالعالم كله قوية وضعيفه وغنيه وفقيره، دون محاولة جادة لتصحيح السلوك، أو البدء بالذات كمرحلة للتغيير ومنطلق للعبور؛ ومن يقرؤون فيه مدخلا لصحوة العالم وإخراجه إلى حيز النور، وتوجيه المسار الذي يسلك به آفاق الحياة ويتفاعل به من جماليات الكون، عملا متقنا، وجهدا حثيثا، وفكرا مستنيرا، وعملا دؤوبا، ليجد في عتمة الليل انكسارا يتناغم مع هذا الجهد المبذول والسعي والمشكور والبحث المؤطر والعمل المبرور والإنجاز المحمود، والاستعداد الأصيل، والجاهزية الكفؤة التي صاحبت كورونا؛ وبين من يقرأ في جائحة كورونا بوابة السقوط ومدخل الانهيارات الاقتصادية وتزايد المطبات الاجتماعية والصحية التي أفصحت عنها بدون خجل، وكشفت أوراقها المستورة ومعلباتها المغلفة من عير تردد؛ وبين ردة فعل تؤسس لمنطق التشاؤم وهاجس القلق والخوف وشبح مظلم يحمل في ذاته عتمة الليل؛ يقرأ اخرون فيه بأنه مساحة أمان لفتح نوافذ الأمل بقادم جديد، وإعادة ترتيب الأواق لتتناغم مع حجم الجائحة وهول الكارثة؛ ليأخذ العالم في تعاطيه غير المسبوق مع هذا الحدث العالمي مسارات تتباين الدول فيها بحسب ما تحمله من مبادئ وأخلاقيات وقيم ومبدئ، وموقع الإنسان في خضم هذه الأحداث؛ فبين من يقرأ فيه على أنه عقوبة، وبين من يفهمه على أنه اختبار، ومن ينظر إليه على أنه نهاية مؤلمة للبشرية لن تخرج منها سنوات عديدة، وبين من يراه على أنه مرحلة لانطلاقة الإنسانية في عالمها الواسع وفضاءاتها المفتوحة؛ وبين من يقرأ فيه على أنه رجوع إلى الوراء وتقهقر نحو الخلف وإيقاف حركة التنمية المتسارعة؛ ومن يجد فيه محطة للعمل بلا توقف والإنجاز بلا حدود الذي يفوق التوقعات كفاءة وجودة وسمّوا وخلقا، ليعيد توجيه مسار التنمية من جديد، وفي ثوب متجدد، وعمل أكثر اقترابا من تحقيق الغاية الكبرى من وجود الإنسان في هذه الحياة.
وفي الحقيقة التي نعتقد بأنها يجب أن تكون مناط بحث واهتمام، هو أن كورونا أفصح عن الحاجة إلى إعادة تصحيح المسار والوقوف عند محطات الإنجاز السابقة لإنتاج القوة التي يحتاج العالم إليها لما بعد هذه الجائحة التي أهلكت الحرث والنسل، وفرصة للعالم لصناعة المنافسة التي ترسم ابتسامة الأمل وتبني محطات العطاء لمستقبل البشرية؛ فلقد أثبت كورونا بأن سلاح القوة اليوم ليس في الترسانات النووية للدول، وسباق التسلح، وسرب الطائرات المقاتلة التي تمتلكها، بقدر ما هو سلاح التنمية وإنهاض الوعي وترقية الإنسان وتكييفه مع عوالم الجوائح والأزمات، وإنتاج القوة في الإنسان: أخلاقه ومبادئه وولائه وانتمائه ومواطنته وفكره وإنتاجيته، صانع التنمية وهدفها ومفجِّر طاقاتها؛ والقوة كل القوة لمن يمتلك ممكنات المستقبل، ويصنع مستلزمات وحلول الواقع البشري، ويضع في مسؤولياته كيف يمكن توجيه هذه التحديات والنكبات وهذه الجائحة التي أفلست العالم ماديا؛ إلى فرص قادمة، ومسارات تحول نابضة بالحياة والإنجاز والإنتاجية، لبناء الإنسان فكرا وروحا وممارسة، وتأصيل مساحات تقديره واحترامه، وتعزيز القيم الإنسانية والمشتركات الأخلاقية بين بني البشر، وما يرتبط به من نهضة الإنتاج وعبر الاعتماد على الذات في صناعة الاحتياجات الأساسية والضرورات المعيشية، والاكتفاء الذاتي من الموارد الطبيعية، وحسن الاستثمار فيها والتثمير في أصولها، وتوجيه الاستثمار الداخلي في القطاعات الصحية والدوائية والصناعية والإنتاجية والزراعية، وإعادة هيكلة إنتاج الموارد، وهيكلة الاقتصاد وضبط مساراته، وتعزيز حضور المواطن في معامل الإنتاج ومختبرات الفحص وإنتاج الأمصال والعقاقير، وتوظيف مراكز البحث العلمي ومدن الابتكار العلمي وريادة بقوة عالية ومهارة فائقة، وإنتاجية تفوق التوقعات وتلبي حجم الاستهلاك المحلي والعالمي، وإعادة صناعة البناء الفكري للإنسان وإنتاج المحتوى المعرفي الإيجابي القادر على توجيه بوصلة الإنجاز للمستقبل والذي يتعاطى مع أبجديات فلسفة البناء الفكري والوجداني والتأصيل المفاهيمي لمفردات التغيير واستنهاض الهمم وحفز الاستعدادات والقدرات، والمحافظة على مستوى نشاطها وإنتاجيتها، واستنطاق القيم والسمو بها ونقلها إلى حيز الفعل ومنهجيات التطبيق؛ وإعادة توجيه السياسات التعليمية بشكل يتناغم مع الواقع ويستجيب لمعطياته، وتوظيف التقنية وإعادة تصحيح معايير الإنتاج وأدوات العمل فيها، وفي توليد البدائل وصناعة الفرص وتقوية المواءمة بين الإنسان والحياة وتنشيط الإيجابية وترقية الحوافز؛ فإن من يمتلكون هذه الموجهات ويرسمون لها منصة حضور في خريطة إنجازاتهم، هم من يستطيعون البقاء في وجه هذا التحدي الغاشم والصمود أمامه وتوجيه بوصلته وهم من يستفيدون من كورونا لبناء مستقبل أكثر أشراقا ووضوحا لمجتمعاتهم ودولهم.
إن كورونا بذلك مرحلة مفصلية في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات، ومرحلة متقدمة في إعادة هيكلة الواقع العالمي من جديد وتقوية مسارات الوعي الإنساني العالمي وتأطير فلسفة النجاح، وكشف مدى قدرة الحكومات على التعاطي مع هذه الجائحة؛ فإن ما أفصح عنه كورونا يضع الحكومات أمام مراجعة لطريقة تعاطيها مع متطلبات أمن إنسان المستقبل واحتياجاته، والموجهات والحقائق التي فرضها واقعا عمليا ومسارا فعليا، لتبقى تجلياته في واقع حياة الشعوب وحالة الخوف والقلق التي ولدها فيهم، مدخلا يجب التعاطي معه بوعي وفهم أحداثه بمهنية، تعيد خلاله ترتيب الأوراق وتصحيح المسارات وتحديث البيانات والمعلومات، في ظل ما أحدثه كورونا من تغييرات قادمة في إنسان المستقبل وتفكيره وأولوياته واهتماماته ومتطلبات نجاحه ووظائفه وخياراته المهنية والشخصية، وعواطفه ونوازعه، لتصل فيه إلى إنتاج منصات التفكير وأدوات العمل الخلاق؛ ومعنى ذلك أن على الحكومات أن تطوع أدواتها وتطور أساليبها الخطابية والتواصلية بطريقة أكثر احترافية وذوقا ومهنية، تستجيب لأولويات الإنسان وتتعاطى مع طموحاته وغاياته ومشاركته الفاعلة في منظومة بناء الدولة، بما توفره له من دعامات النجاح وممكنات التفوق، وتفتح له مساحات الأمل وأبواب الابتكار والعطاء على مصراعيه؛ لتبني فيه فرص الإنتاج وتؤسس فيه فقه التعامل مع الظروف والتفاعل مع الأحداث؛ لتشكل هذه المعطيات في مجملها رصيدا ثريا وذاكرة حضارية توظف في خلق مسار القوة لصناعة المستقبل ومعالجة حالة الترهل والهشاشة الفكرية، وموقع المواطن في قاموس الحكومات، لتستشرف فيه الدول مسار التحول وتنطلق منه للعمل معا من أجل مستقبل واعد للبشرية.
عليه، يطرح كورونا على العالم اليوم فلسفة جديدة تقوم على إعادة ترتيب الأولويات وتصحيح المسارات، وإعادة إنتاج العادات والتقاليد وآليات الحياة وأساليب العيش والتعايش والتعامل وأساليب الخطاب وأدوات العمل، سواء على مستوى الأسرة الواحدة والمجتمع والدول والعالم أجمع، وأهمية إعادة ترتيب جديدة لموازين القوة الدولية ومنظمات الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة وعلى المستوى الإقليمي والعالمي ومنظمات المجتمع المدني في آليات عملها وطريقة تعاملها مع الواقع وإعادة حركة التوازنات ومسارات التغيير لتنطلق موجهات العمل القادمة من فهم عميق لمقتضيات التنوع البشري، والحاجة الى المزيد من العمق في مفهوم التواصل الذي يبحث في عمق السلوك الإنساني ويقوي أرضياته، وعبر تقوية منصات الحوار والتكامل والحس الإنساني من خلاله للوصول إلى مستقبل يستشرف الحياة والأمل الواعد والمستقبل النابض؛ ليصبح كورونا مرحلة جديدة لصناعة الحياة في ثوبها الجديد، تاركة أوزار الماضي ناهضة بطموحات المستقبل، حاضنة للبدائل والاستراتيجيات، ليصبح الرابح فيها من يفكر بعمق ويدرس مطباته بوعي ويفهم أحداثه بموضوعية، ويكسب في ظل ما ولده من ينابيع الإنسانية قلوب الآخرين ويتعاطف معهم ويتفاعل مع كياناتهم وعبر مرحلة جديدة تلغي الحواجز البينية وسياسة القطب الواحد وتقرأ في العالم حياة السلام والأمن والاستقرار والطمأنينة والبحث والإنتاجية والتشاركية في البحث العلمي والمعرفة الأصيلة والمعلومات الصادقة والعلوم والتقنية والتناغم بينها.
لقد كشف كورونا عن أوراق جديدة لم يكن لها نصيب من الاهتمام والبحث والدراسة والتشخيص أو لم يستفد منها العالم بشكل نوعي في إحداث التغيير وإعادة هندسة الواقع البشري وعبر إعادة إنتاج الموروث الحضاري للشعوب والمجتمعات وما تحمله من فقه التعاون والتكاتف والتناغم وحس المسؤولية، ليقرأ فيه مساحات أعمق من كونه مجرد عبارات تقال وكلمات تردد وبوح ينشد، إلى كيف نصنع من خلال هذه المنصات وأشكال التعبير الغنائية والثقافية والشعبية المختلفة، حصون السلام ومرافئ الأمان وحضن الطمأنينة وتقوية ينابيع الاحترام والتقيد بمفهوم جديد للتباعد الاجتماعي والتواصل النوعي الذي يحفظ الحقوق ويراعي المشاعر ويضمن مساحات الخصوصية وعدم مصادرة الفكر، وبالتالي توجيه بوصلة التراث والثقافة والعادات والتقاليد نحو صناعة الحياة وبناء الأمل للشعوب من خلال ممارسة العادات والطقوس وأشكال التعبير الثقافية والاجتماعية، وكيف نستفيد من هذا الرصيد العالمي والإنساني في مجالات العلم والمعرفة والتقنية والبحث العلمي، وترسيخ عرى السلام والاحترام للبشرية جمعاء، والتفاعل البشري والتقارب والوئام الإنساني وتقوية المشتركات القيمية والمؤتلف الإنساني، وتحويل العالم من كيانات متصارعة وأفكار متباينة إلى مرحلة تسمو بالقدوات وتصنع المروءات وتبني مساحات الأمان للبشرية، تعزز من الثقة المجربة وتؤسس لمرحلة التحول في مفهوم الفكر الخلاق والبناء الأخلاقي وإعادة المسار البنائي للإنسان وتحويله من شبح التنظير الذي يعيشه والأفكار السلبية التي يتضمنها والدعوات الارتجالية التي تمارسها والممارسة المتكررة وما يعيشه من فاقد الإنتاجية والوضوح التي أصبحت تتباعد في كثير من الأحيان عن واقع المجتمعات وتتصارع مع القيم والأخلاق.
من هنا فإن المستفيدين من كورونا يقرؤون هذه الأحداث ويوظفونها في صناعة مستقبل شعوبهم وأوطانهم ويتفاعلون مع هذا الوقائع ويسجلون هذه المواقف لتصبح ذاكرة حضارية تعيش الشعوب على نتاجها، فتبنى المجتمعات على ما خرجت به من تقييمات وما أصَّلته من مبادئ وقيم وأخلاقيات ومعايير ومناهج وأدوات على مستوى بناء الدولة في سياستها الخارجية والداخلية واقتصادها واستثماراتها وإعلامها وشراكاتها ومنظومتها الأمنية والدفاعية، وترسيخ قيم التطوع والمبادرة والتضحية والفداء ورعاية الآخرين والعمل من أجلهم فتفتح لهم طريقا للبحث والإنتاجية والاستثمار، فهي مرحلة إنتاج القوة في الإنسان، والاستثمار في اقتصاد الأمان الذي يبني الحياة ويطور الأدوات ويصنع التغيير وينتج الحلول ويتفاعل مع مقتضيات التطوير بروح تسمو بالإنسان وتسهم في خلق منصات جدية له، فإن كورونا قد أعطى الشعوب والحكومات دروسا كثيرة؛ إلا أن الناجح في اختباراته هو من يعمل على إعادة تصحيح كل الممارسات السابقة الموجهة نحو الإنسان والأوطان والصحة والتنمية والإنتاجية والابتكار والبحث العلمي والصناعة والتعليم وغيرها، ويعيد طريقة إنتاجها في نفسه وقراءته لأحوال العالم؛ مرحلة جديدة لإعادة هندسة الواقع وقراءة المستقبل بطريقة أكثر مهنية تقدر مساحة التباينات وتعطي مساحة أفضل لمستقبل مشرق يراعي كل هذه الأحداث ويقف عليها في ظل ثقافة الاختلاف والتسامي فوق الخلاف.
ومع تزايد أيديولوجيات التفسير وتعددها وعشوائية التقدير؛ يبقى كورونا محطة متجددة يحمل للعالم حكما عظيمة في تحدياته وتهديداته وأحلامه ومتغيراته، ومع كل السقطات التي يكشفها اليوم والأوراق المتعثرة التي بات تفصح عن واقع مرير مؤلم، وجملة الأحداث المتغيرة والتناقضات الحاصلة وما وصلت إليه دول العالم من واقع عجزت فيه عن استيعاب أحداث هذا الجائحة؛ يظل كورونا واقعا فرضه نفسه على البشرية؛ تتجه استحقاقات النجاح والتميز والقوة فيه لمن استطاع أن يفهم مغازيه ويدرك رسالته ويتعاطى مع أحداثه ويعي ما يحمله للمستقبل، ويغتنم الفرص من أجل إعادة توجيه المسار؛ لذلك فإن ما يحصل اليوم من مواقف وأحداث وما يظهر من عقبات وتحديات أو ما يبحث عنه العالم من فرص وآمال للشفاء؛ إنما هي رسالة للإنسان لإعادة مسار الواقع وتوجيه بوصلة العمل القادم الذي يجب أن يتفق عليه الجميع بعيدا عن الأفكار السوداوية المطروحة والتكهنات العشوائية والتفسيرات التي تحمل في ذاتها تضييق على العقل وإغلاق لمدركة الفهم وتعطيل للبحث والتفكير، ومحاولة تحجيم الإنجازات التي يمكن أن يصنعها الإنسان في التعاطي مع هذا الواقع؛ وهي مرحلة متجددة في الحياة، على العالم اليوم قياداته وأنظمته وشعوبه، ومنظمات المجتمع الدولي ومؤسساته أن تعيد خلالها صياغة تعبيراتها وتقرأ فيها التفاصيل الصغيرة والمواقف اليومية التي يعيشها العالم بدقة وعناية، بحيث يبرز فيها الجميع مساحات أكبر للاعتراف بالنقص والقصور وتأنيب الضمير وقبول حقيقة الاختلاف بين البشر والحاجة إليهم، ورسم ملامح الإنسانية لوقف تسارع وتيره الترهل البشري والغرور الإنساني وثورة الكبت الفكري التي انحرفت بالعالم عن الجادة وتعالت على الأخلاق، معلنة الحرب على الذات الإنسانية الرضية، ليصحو العالم من سباته، ويعلي صحوة الضمير الحي، ويرقى بالإنسان الواعي والمواطن الصالح المنتج إلى مراتب القوة وينزله منازل التقدير، وبناء مسارات التحول في المفهوم الذي اختزلته قسوة البشرية، ووضعته في حالة السقم الفكري والتبلد الذهني لخلق الفجوة بين البشر.
إننا في عمان وبفضل الله والرؤية الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ نقرأ في جائحة كورونا كما في غيرها من الجوائح والأزمات التي مرت على عمان الصمود، مرحلة جديدة لإعادة توجيه المسار وفرصة للوقوف على الواقع الوطني وإعادة إنتاجه وتصحيح أدوات العمل في التعاطي مع كل ما يهم أمن الإنسان الغذائي والاقتصادي والفكري والثقافي والتعليمي والصحي، ويوفر له مساحات أفضل قادمة في الاعتماد على الذات وإعادة هندسة الاقتصاد وبناء القدرات وصناعة القدوات الوطنية التي تحمل مسؤولية البناء والتطوير، لرسم ملامح المستقبل وتأصيل معالمه ونقل هواجس المواطن العماني إلى حيز الرصد والتشخيص والمتابعة والتفعيل، واستفراغ الوسع للعمل من أجله والسعي إليه بما يؤسس لمرحلة متقدمة من المشاركة التي يصبح فيها المواطن الحلقة الأقوى والغاية الكبرى من كل التوجهات والأدوات والمسارات.

المقال من صحيفة الوظن

omantoday

GMT 17:01 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

أصغر من أميركا

GMT 16:59 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

ملحمة وطنية للأبطال الذين أُزهقت أرواحهم!

GMT 16:58 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

العلم في مكان آخر

GMT 09:43 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

كيف يفكر نتانياهو؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في العمق كورونا كوفيد 19 وإعادة توجيه المسار في العمق كورونا كوفيد 19 وإعادة توجيه المسار



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

مسقط - عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 17:00 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:25 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 21:47 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

يتناغم الجميع معك في بداية هذا الشهر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab