أميركا وسلاحها الهندي

أميركا وسلاحها الهندي!

أميركا وسلاحها الهندي!

 عمان اليوم -

أميركا وسلاحها الهندي

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

جورتشاران داس ليس من الأسماء المعروفة ولا المشهورة عالمياً، ولكنه في بلاده الهند يعتبر أحد أعلام مجتمعي الأعمال والفكر. فبعد تقاعده من عمله كرئيس تنفيذي وعضو مجلس الإدارة المنتدب لعملاق المنتجات الاستهلاكية شركة «بروكتر وجامبل» الأميركية، فرع القارة الهندية، الذي برع من خلاله بتحقيق أرقام قياسية من الإيرادات والإنجازات والاستثمارات، ليتفرغ بعدها لنقل تجربته الإدارية الاستثنائية، التي هي خليط مهم ومركب من الكون الفلسفي الروحاني الهندوسي مع التعليم الأنجلوساكسوني في أهم معاهد ومدارس وجامعات الهند والغرب.
اليوم يعتبر جوراتشاران داس من أهم ناقلي تجربة الإدارة الهندية للعالم عبر مجموعة مهمة جداً من الكتب الأكثر مبيعاً، والندوات والمنتديات والمحاضرات المسجلة في شتى منصات وسائل التواصل الاجتماعي. وبهذه الجرعة من «المزايا التفوقية» يوضح وبالأمثلة كيف تمكن هنود المهجر من تبوء أعلى المناصب الإدارية التنفيذية في كبرى الشركات العالمية، وتحولوا مع الوقت إلى النموذج الحي والعملي لما يمكن أن يطلق عليه «المواطن المعولم» (The Global Citizen)، الذي تمكن من الانصهار والتأقلم مع وفي كل المجتمعات حول العالم. فمن غرب القارة الأوروبية إلى شرق أفريقيا إلى أميركا الشمالية إلى الخليج العربي إلى أستراليا إلى جزر الكاريبي.
وكان نتيجة ذلك الأمر وصول قادة الأعمال من الهنود إلى رأس شركات «بيبسي» و«ماستر كارد» و«سيتي بنك» و«ماكينزي» و«غوغل» و«مايكروسوفت» و«نوكيا»، وترؤسهم لكليات إدارة الأعمال في أهم الجامعات الأميركية بالإضافة لسيطرتهم على شركتي «جاغوار» و«لاندروفر» العريقتين لإنتاج السيارات، وشراء مؤسسة «ميتال» الهندية لأهم مصانع الحديد في القارة الأوروبية. ناهيك عن توغل القوى الناعمة للهند حول العالم بنجاح كبير عبر انتشار أفلامها البوليوودية، وموسيقاها ومطبخها ومطاعمها وطبها البديل، وصولاً إلى رياضة اليوغا التأملية لتكريس حضور الثقافة الهندية حول العالم بشكل ثري وفعال. طبعاً مع عدم إغفال إجادة الهنود في المهجر لإتقان اللغة الإنجليزية بطلاقة بسبب الاستعمار البريطاني الطويل في بلادهم.
يصف جورتشاران داس الحالة الهندية الحالية بشكل لطيف بقوله: «الهند تشبه الفيل الذي بدأ يتحرك ويتقدم للأمام. لن يكون لديها السرعة، ولكن ستكون دوماً صاحبة العزيمة». الهند التي تعتبر «المطبخ» و«المعمل» الأساسي لوادي سيليكون وكبرى شركات التقنية فيه تمكنت عبر نجاحاتها خلال السنوات الماضية من تكوين أكبر طبقة وسطى في العالم تجاوز عددها الـ400 مليون شخص. وكل ما سبق معروف لدى دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة، التي تبنت سياسة جديدة في السنوات الماضية اعتمدت فيها على الاقتراب وتقوية علاقاتها بالهند (مع النمو الملحوظ لتأثير الصين الاقتصادي والعسكري على الساحة الدولية)، وذلك بعد سنوات طويلة من الأفضلية في التعامل والتعاون لصالح باكستان (التي انضمت بقوة كبيرة في مبادرة الحزام الصينية، وأصبحت أكبر دولة تتلقى الدعم المالي من الصين). وعلاقة الولايات المتحدة بالهند كانت دوماً ما توصف بالبرود الشديد، وذلك بعد أن صنفها وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر بأنها دولة اشتراكية تميل مع المعسكر السوفياتي أبان فترة حكم رئيسة وزراء الهند السابقة أنديرا غاندي.
ولكن هناك في الولايات المتحدة من يعتقد بأن الهند يجب أن تكون خط التحالف الأول والأهم بالنسبة للمعسكر الغربي عموماً، ولأميركا تحديداً في المواجهة المتصاعدة أمام الصين. وقد بدأت بوادر هذه المسألة تظهر تباعاً وبالتدريج خلال أزمة تفشي جائحة «كوفيد - 19»، التي قررت خلالها شركات أميركية كبرى نقل مقرات أعمالها من الصين إلى الهند باعتبارها دولة أكثر «أماناً» و«مصداقية»، في إشارة واضحة وبالغة الدلالة على ما هو آت من تعاون يزداد أهمية بين البلدين. واليوم هناك أكثر من شركة غربية قررت إنتاج لقاحها في الهند المجهزة لذلك، التي يطلق عليها «صيدلية العالم».
نظرة الولايات المتحدة للهند تغيرت فهي الآن باتت تنظر باحترام وتقدير «لأكبر ديمقراطية في العالم» و«نموذج التعايش والتسامح المدني» لتواجه به «الشيوعية الصينية» و«آلة القمع الممنهج»، وسيكون من المهم مراقبة ردود الفعل الهندية في صراعاتها الحدودية مع الصين، التي بدأت تسخن كثيراً بعد أكثر من مواجهة عسكرية بينهما. الهند بعد سنوات من الظل تستثمر وضعها الجديد بذكاء مؤثر، وهو الذي جعلها تعاود طرح طلبها المستحق بعضوية دائمة في مجلس الأمن بالأمم المتحدة.

 

omantoday

GMT 23:31 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

أموال وأصوات في بلاد العم سام

GMT 23:30 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

البناء والإصلاح اليمنى

GMT 23:28 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

بأي حال كنت ياعيد..!

GMT 23:27 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

أحمد فتحي شاعر مظلوم

GMT 23:22 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

حملة مطاردة السوريين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا وسلاحها الهندي أميركا وسلاحها الهندي



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

مسقط - عمان اليوم

GMT 11:15 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 عمان اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 04:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab