النجاح صناعة المجموعة

النجاح صناعة المجموعة

النجاح صناعة المجموعة

 عمان اليوم -

النجاح صناعة المجموعة

بقلم:د. آمال موسى

أثبتت التجارب المجتمعية التاريخية أنَّ الإنجاز التنموي لتحقيق التقدم والتطور ليس مسألة تقوم على عناصر مادية فحسب، بل إنَّ الإنجاز الرمزي والثقافي والفكري هو أساس أي نهضة وأي إنجاز تنموي حقيقي يصب في مشروع يهدف إلى التقدم.

لذلك فإنَّ التقدم يبدأ فكرياً ثم يتجسّد مادياً دون أن نهمّش فكرة أن المادي يتدخل في تغيير الثقافة والفكر، ولنا في هذا السياق خير دليل، وهو العلاقة بين الثورة الصناعية والثورة الفرنسية، حيث انطلقت الحداثة الفكرية بما هو مادي حتى بلغت الشقَّ الفكري والمعنوي الثقافي، غير أنَّ الفكرة التي نطرحها في هذا المقال تتمثل في كون التقدم هو نتاج جهد المجموعة المجتمعية الوطنية في أي بلد من البلدان، وهو ما يؤكد دخول العالم مع مشروع التنمية المستدامة في ثقافة تثمين المجموعة.

وفيما يخص الفضاء العربي الإسلامي فنحن حقاً لسنا من ثقافة الفرد، ولكننا من ثقافة الجماعة مع كل ما تحيل إليه من معانٍ وأبعاد، على أساس أن هناك فرقاً بين الجماعة ذات المدلولات الضيقة الدوغمائية عادة، والمجموعة تحيل إلى عدد كبير من الأشخاص، وصولاً إلى المجموعة الوطنية التي تعد المعادل المعنوي للمجتمع.

بيت القصيد أن نتاج عمل وجهد فريق كامل من العمل والاجتهاد ينتمي إلى هذا الفريق كله؛ لذلك فإن أسباب العمران البشري والنهضة به جهد جماعي.

وهنا من المهم التمييز بين حقوق الفرد والانتصار للفرد وتثمين حريات الفرد وضمانها وتعزيزها، لأنها ستعزز الانتماء والشعور بالطمأنينة.

بمعنى آخر لا بد من الانتقال إلى ثقافة الاعتراف بالأفراد الذين هم المجموعة، وهذا سيصنع حالة من الإشباع الرمزي لا غنى عنها لضمان الانخراط قلباً وقالباً. ونلاحظ في السياقات الأوروبية الغربية كيف أنه حتى المسؤولون رفيعو المستوى وهم يقدمون مشاريعهم وبرامجهم، عادة ما يستهلون مداخلاتهم بشكر الفريق الذي قام بذلك العمل، وهذا رغم بساطته فيه تحفيز معنوي قد يعجز التحفيز المادي عن تحقيقه، على أساس أنه يدخل فيما يسمى الاعتراف وتحقيق الذات، حيث إن الذات تحقق ذاتياً وأيضاً باعتراف الغير بها.

وفي الحقيقة تعزيز مثل هذه الفكرة من شأنه أن يغير من الاستعدادات ومن المجهودات ومن النتائج، وينتج ثقافة أخرى تحترم المجموعة، وترى فيها إطاراً لتحقيق الذات وحب الوطن والعطاء والتميز والاعتراف، وأن الفرد في المجموعة ليس شمعة تحترق وتنتهي، بل هي تضيء للجميع، ومن أجل رفاهية الجميع.

نعتقد أن التربية على فكرة أهمية المجموعة والانخراط ضمن المجموعة من مرحلة الطفولة المبكرة مسألة حتمية لضمان تنشئة سليمة وهاضمة لقيم المجموعة الوطنية، والتعايش والإنجاز الحامل لتوقيع المجموعة؛ فالتمييز بين ثقافة تولي عناية لحقوق الفرد، وتعده مركز الاهتمام، وتدافع عن حرياته الفردية والعامة، وبين ثقافة قيمة الفرد في المجموعة، ودور الفرد في منجز المجموعة واضح وقوي ومفصلي، من أجل تحقيق التقدم، بل إنه حتى الإبداع الذي كثيراً ما كان فردياً رأينا كيف أن هناك فنوناً قطعت مع هذا المبدأ، على غرار المسرح والسينما وحتى الموسيقى؛ فاللحن الجيد يحتاج إلى مطرب جيد، ويحتاج إلى شاعر متمكن، والسينما تحتاج إلى مصور مبدع وممثلين مذهلين ومخرج بارع، وهكذا دواليك. هذا مع الإضافة بأنه حتى البحوث العلمية التي كانت تعد وتحمل توقيع باحث واحد تغيرت، وباتت الجامعات اليوم في أوروبا والعالم الغربي تنحاز لبحوث جماعية، وتراجعت أهمية التوقيع الفردي، وأصبح الهدف هو تركيز ذكاءات مختلفة، وتسخير عقول المجموعة وقدراتها من أجل جودة بحث واحد، وجودة منجز واحد، وكل هذا يصب لصالح المجموعة الوطنية والأوطان، ويجعل التقدم حقيقة.

إننا بحاجة أكيدة إلى تمرير رسائل تثمن المجموعة وتقديمها إطاراً مغرياً ومحفزاً للفرد؛ ليجد كل ما يبحث عنه من إشباع نفسي معنوي ومادي يشجعه على البذل.

أمامنا تحديات كبرى يرتبط النجاح في تذليلها بتحقيق التقدم لبلوغ الرفاهية بمعانيها المختلفة.

فالنجاح للمجموعة أولاً لأنها الصانعة الحقيقية له.

 

omantoday

GMT 20:15 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات كبرى تقرّر مستقبل الشّرق الأوسط

GMT 20:12 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لا تعزية حيث لا عزاء

GMT 20:11 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

GMT 20:10 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

خرافات العوامّ... أمس واليوم

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النجاح صناعة المجموعة النجاح صناعة المجموعة



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:26 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج العقرب

GMT 04:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 04:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 19:31 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 04:52 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجدي الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 23:29 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

عبارات مثيرة قوليها لزوجكِ خلال العلاقة

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 19:12 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon