حرب خفية فوق التربة القمرية

حرب خفية فوق التربة القمرية

حرب خفية فوق التربة القمرية

 عمان اليوم -

حرب خفية فوق التربة القمرية

بقلم - إميل أمين

 

وكأن الأرض ضاقت ببني البشر، ولهذا بدأت معاركهم تتسع وتنتشر في الفضاء الخارجي، وبعد أن كان القمر ملهماً للشعراء، وسميراً للعشاق؛ إذ به يتحول ساحةً من ساحات التجارب التي لا تخفى على أحد، ومرادها في نهاية الأمر عسكرة المشهد، ضمن سياق منافسات قطبية، تمضي بين الأقطاب الثلاثة التي لها باع طويل في الفضاء الخارجي، روسيا والولايات المتحدة من جهة والصين القادمة بقوة وثبات غير مسبوقين؛ ما يجعلها نداً مثيراً تارة ومقلقاً تارة أخرى وبالتحديد للعم سام... لماذا هذا الحديث الآن؟

الشاهد، أنه وسط ضجيج المعارك الأرضية، من غزة التي حرّكت ضمير العالم، إلى أوكرانيا المقلقة للسلم العالم، توارت أنباء إرسال الصين مركبة فضائية غير مأهولة في مهمة تستغرق شهرين تقريباً، لإحضار عينات من الصخور والتربة من الجانب البعيد للقمر، ذاك الذي يطلقون عليه «الجانب الخفي، أو المظلم»؛ لتصبح بذلك أول دولة تقوم بهذه المحاولة الطموحة.

تبدو مهمة الصينيين فوق سطح القمر لغزاً مغلفاً بأحجية ضمن سر كبير؛ ذلك أن مركبتهم مقرر لها الهبوط في المنطقة التي تعرف باسم «حوض أيتكين»، في القطب الجنوبي، على الجانب البعيد من القمر، وجمع عينات وإعادتها للأرض؛ ما يجعل من الصين أول بشر يمتلكون تلك العينات.

السؤال البدهي الذي يخطر على عقل أي قارئ: ما الذي يبحث عنه الصينيون في تلك المنطقة، ويستدعي التنقيب على عمق كيلومترين، قبل العودة إلى الأرض من جديد؟

من الناحية العلمية، إعادة العينات إلى الأرض، يمكنها أن تقدم للإنسانية فكرة متقدمة عن كيفية نشوء القمر، ولماذا يختلف جانبه البعيد عن الجانب القريب، وذلك عبر تحليل علمي ومعملي لصخوره وغباره.

على الجانب الآخر، تبدو قصة الصين فوق القمر، جزءاً من الحرب الخفية الدائرة بين الأميركيين من جهة، والروس والصينيين من جهة ثانية، لا سيما أن الصين تتطلع لأن ترسل أول رائد فضاء يهبط على سطح القمر، بحلول عام 2030، وتعمل جاهدة على تسريع إنشاء قاعدة أبحاث مشتركة على القمر مع روسيا، تلك المتوقع أن يبدأ العمل فيها عام 2027.

والثابت أن طموحات الصين في الفضاء الخارجي، باتت تتجاوز القمر، إلى ما وراءه في أعماق الكون، فقبل سنوات عدة فقط بدأت العمل في بناء التلسكوب الصيني الراديوي الأكبر في التاريخ بقطر 500 متر، ومن خلاله يأمل الصينيون أن يتمكنوا من سبر أغوار الكون السحيق، ومحاولة التواصل مع أي حضارات ذكية أخرى، ولو كانت تبعد عن كوكبنا مليارات أو تريليونات من الكيلومترات في الفضاء الواسع.

غير أن هناك بعداً منظوراً آخر أقرب من قصة التعرف على الكون وأبعاده، أو فك شفراته الخفية، إنه ذاك المتعلق بالحرب الخفية التي تجري بين الأقطاب الثلاثة المشار إليها، على صعيد التشويش وربما إعاقة وتخريب الأقمار الاصطناعية للآخر المغاير.

خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، كانت اليد العليا لمن يمتلك القدرة على البحار؛ ولهذا بدت بريطانيا سيدة العالم في وقت بعينه، إلى أن ورثتها الولايات المتحدة، حيث أساطيلها تلف الكرة الأرضية مرة كل أربع وعشرين ساعة.

اليوم، لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الشروحات والطروحات لتبيان أهمية الأقمار الاصطناعية، فقد باتت تتحكم في كل مناحي الحياة اليومية، من رصد لأحوال الطقس وسط عالم يعاني إيكولوجياً، مروراً بالأهداف العسكرية من رصد ومراقبة ومتابعة، وصولاً إلى الأهداف التجارية، حيث حركة البر والبحر والجو مرتبطة بخرائط تلك الأقمار...

هنا يضحى من الطبيعي القول إن من يُقدّر له اختراق أنظمة الطرف الأخر فضائياً، يمكنه أن يكسب معارك وليس معركة واحدة، وربما من غير الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة؛ إذ يكفي التلاعب بخرائط الملاحة الجوية، لشل دولة بأكملها وعزلها عن العالم، ناهيك عن السيطرة على مفاصلها من محطات توليد كهرباء وطاقة ونقل وبقية مراكز السيطرة والقيادة.

هل يأتي خبر صعود المركبة الصينية للجانب البعيد من القمر لينشر حالة من القلق، أقرب ما تكون إلى الذعر في الداخل الأميركي؟

يبدو أن فخ «ثيوسيديديس» قادم لا محالة بين واشنطن وبكين، كما جرت به المقادير قبل الميلاد بين إسبرطة وأثينا، غير أنه هذه المرة في الفضاء وليس على الأرض.

أرتجت قاعات الكونغرس في السابع عشر من أبريل (نيسان) الماضي، لخبر مركبة الصين، وتم استدعاء مدير وكالة «ناسا»، بيل نيلسون، ومساءلته.

لكن ما يدور في العقل الصيني الكونفوشيوسي، يصعب بحال من الأحوال فهمه عبر الطريقة الأرسطية القائمة عليها الذهنية الغربية.

هل القمر بالفعل «خراب رائع» على حد تعبير رائد الفضاء الأميركي باز ألدرين، ثاني إنسان يحط بقدميه على القمر؟

غالب الظن أن الأمر ليس على هذا النحو، فالحقيقة المؤكدة أن هناك موارد هائلة فوق سطح القمر، حيث تحتوي الأملاح المعدنية على كم هائل من الأكسجين، والسيلكون، والماء المثلج، ناهيك عن اعتقاد بوجود نحو مليون طن من غاز الهيليوم العجائبي، والذي يشكل طاقة هائلة وأفضل من نظيرتها النووية حال أستُخدم على الأرض.

هل مهمة الصينيين في الجانب الآخر من القمر، محاولة استكشاف فرصة حياة البشر في الجانب الآخر البعيد أو المظلم؟

الأميركيون ليسوا بعيدين عن السباق؛ إذ يجهزون برنامج «أرتيميس»، والذي يهدف إلى تأسيس وجود بشري مستدام على سطح القمر ويبدأ تنفيذه العام المقبل.

أهلاً بكم في عالم الحرب الخفية فوق التربة القمرية.

omantoday

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين

GMT 08:30 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 08:29 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب خفية فوق التربة القمرية حرب خفية فوق التربة القمرية



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 19:51 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 04:59 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:18 2025 الأحد ,13 إبريل / نيسان

قيمة التداول العقاري في عُمان تتراجع 64%

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 04:06 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الأضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 21:10 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:52 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 05:08 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

برج الثور عليك أن تعمل بدقة وجدية لتحمي نفسك

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon