غزة الوعي والوعي المضاد

غزة: الوعي والوعي المضاد!

غزة: الوعي والوعي المضاد!

 عمان اليوم -

غزة الوعي والوعي المضاد

بقلم : محمد الرميحي

مع مرور الأيام و الأسابيع والمعركة في غزة مشتعلة والضحايا يتساقطون تحت وابل من القنابل، يلحظ المراقب عملية وعي ووعي مضاد بشأن القضية. الوعي هو التغيّر التدريجي في موقف الأفراد والمؤسسات وحتى الإعلام في الغرب بشكل عام من مناصرة لا تقبل أي رأي آخر دفاعاً عن الموقف الإسرائيلي إلى تقدير معقول للقضية الفلسطينية، وربما في حال إطالة الصراع فإنّ عودة الوعي سوف تتعاظم وتضغط على الجسم السياسي الغربي للنظر بشيء من العقلانية إلى جذور الصراع، أما الوعي المضاد فهو ما يشيعه البعض من العرب بشأن الصراع وتنحرف بوصلتهم إلى قضايا هامشية، بل ومضرّة بالقضية.

لقد كانت أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) صدمة في ذهن الساسة الغربيين، وتقاطروا على إسرائيل لتعزيز موقفها وتبعتهم الشعوب إلى حين، بخاصة أنّ المجتمع الإسرائيلي هو جزئياً غربي، فكثير من الجنود والمدنيين الإسرائيليين يحملون جنسيات مزدوجة، وهذا ما يفسّر أنّ في الأُسر اليوم بريطانيين وفرنسيين وأميركيين وحتى ألماناً وروساً وغيرهم، وظهر الأمر للوهلة الأولى للرأي العام الغربي أنّ إسرائيل مُعتدى عليها والمعتدي هو "حماس".

مع مرور الوقت وتقاطع الأخبار وظهور ردود الفعل الإسرائيلية التي اتجهت الى الانتقام من المدنيين العزّل في هياج هستيري، فحُرموا جميعاً من المياه والكهرباء والغذاء والدواء وأخيراً الاتصال، بدأت صحافة الغرب والجماعات المدنية، بل وحتى بعض السياسيين، يراجعون مواقفهم ويتّجه بعضهم الى الحديث عن صلب القضية وهي الاحتلال، حتى وصل الأمر إلى أن يصرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مع شجبه الواضح لأحداث 7 تشرين الأول، بأنّ جذر المشكلة هو الاحتلال والوضع الإنساني المتردي الذي وصلت اليه غالبية الفلسطينيين تحت الاحتلال، الأمر الذي أثار غضب إسرائيل مطالبةً باستقالته!

ذلك المشهد يشي جزئياً بعودة الوعي إلى الجمهور الغربي، إذ تبين الصلف والاستهتار الإسرائيلي بكل القيم الإنسانية، لقد تغيّر المشهد الغربي بسبب حصول الجمهور العام على معلومات صحيحة عن خلفية المعركة الدائرة من وسائط إعلام محايدة، فالغرب يتمتع بشكل عام بسقف من الحرّيات يتيح في كثير من الأحيان وصول معلومات ذات صدقية.

وعلى الجانب الآخر يُلاحظ اتساع لمساحة الوعي الكاذب في الجانب العربي، مع الأسف، فقد ترك البعض المعركة المشتعلة لينشغل بالهوامش، وهو أمر مدمّر وسلبي حتى للقضية نفسها، كمثال الحملة التي قامت ضدّ رئيس الجمهورية المصرية حين قال ما معناه "على إسرائيل إن أرادت التهجير فلتهجّر إلى النقب". واضحٌ من ذلك التصريح أنّه نابع من الغضب والاشمئزاز من فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو قول فيه رمزية لا يمكن تجاهلها! لقد حصد ذلك القول التهجّم والسباب بما يفوق أي مستوى، لأنّ تلك العقول تريد أن تصطاد في الماء العكر وتنسى التضحيات الكبرى التي قدّمها الشعب المصري للقضية على مرّ عقود!

كما ذهب بعضهم الى ذمّ "حماس" وتقريع طريقتها في المقاومة ولومها على ذلك الدمار، وأقلّ ما يُقال في ذلك التوجّه أن ليس وقته الآن، فقد أصبح الوضع هو القضية برمتها وليس "حماس" أو غيرها من الجماعات النشطة، فالمعركة الدائرة تتخطّى "حماس" أو أي فصيل آخر، لقد فُرضت القضية برمتها على ساحة النقاش، ولم تعد أحداث 7 تشرين الأول سوى تفصيل على هامش القضية المركزية.

لقد تمثل الوعي المضاد بأكثر تجلّياته (من بعض الفلسطينيين والعرب) مع الأسف، بتحوّل الغضب إلى أماكن أخرى، إلى العرب الآخرين، وعلى رأسهم عرب الخليج، في وعي كاذب للنفس وللموضوع، وقد أخذ عرب الخليج من القذف الحصّة الأعلى، وبخاصة من بعض مَن منهم في الخارج، مالكي منصّات إعلامية مشبوهة يدغدغون بها مشاعر الناس ويلعنون الآخرين، وهم على كنباتهم المريحة، ظناً منهم بأنّهم يخدمون القضية في الوقت الذي يسيئون اليها بشكل فادح، فأقوالهم تقع على جمهور قد لا يكون محصناً، فيأخذ موقفاً سلبياً من القضية. نشاطهم ذاك، إلى جانب كونه انحرافاً مرضياً يعبّر عن حقد شخصي وأمراض نفسية، يرتد على القضية بالسلب.

على مقلب آخر نجد أنّ بعض القوى الإقليمية تدخل على خط الصراع، ليس نصرة لقضية عادلة، ولكن من اجل الدفع بأجندة هذه الدولة او تلك لتحقيق مصالحها، والقضية بالنسبة اليها مجرد حطب شطرنج، كمثل اقتراح وزير الخارجية الإيراني على منبر الأمم المتحدة تبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل عن طريق طهران! وليست إيران استثناء، فقد دخلت على الخط أيضاً تركيا وروسيا الاتحادية، وقد يأتي غيرها، ومع الأسف كل يريد تحقيق أجندة ليس لها بحقوق الفلسطينيين المشروعة أي صلة.

نحن اذاً امام خلط أوراق في هذه الفترة المظلمة من الصراع في الشرق الأوسط، ولا يعرف كثيرون أمام تشوش المدخلات على القضية أي مخرج ممكن الخروج منه لتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، فالكل يريد أن يتربّح على ظهر القضية، وهي تنزف دماء رجال ومسنين ونساء وأطفال، إن لم تقتلهم قنابل الطائرات الإسرائيلية يقتلهم الجوع والعطش ونقص الدواء، فوق ذاك يتمّ اختطاف قضيتهم وإشاعة وعي كاذب بشأنها.

 

omantoday

GMT 10:33 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هوامش في قمة البحرين: مجلس أم «مقنص»

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الانهيار المخيف

GMT 10:31 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نكبة مستمرة... وقضية مُختطفة

GMT 10:30 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نكبة مستمرة... وقضية مُختطفة

GMT 10:29 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

حكومة أخنوش: حصيلة نصف الولاية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة الوعي والوعي المضاد غزة الوعي والوعي المضاد



النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

الرياض ـ عمان اليوم

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 17:12 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 21:10 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 04:28 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab