ثمن الديموقراطيّة

ثمن الديموقراطيّة

ثمن الديموقراطيّة

 عمان اليوم -

ثمن الديموقراطيّة

بقلم : محمد الرميحي

في السوق، إذا كان ثمن السلعة أكبر من نفعها بكثير ينصرف عنها المشتري العاقل عادة.

ورغم ما دفع المجتمع الكويتي من أثمان وهو يحاول إصلاح "سلعة" الديموقراطية من أجل أن تكون، على الأقل، مساوية للثمن الذي يدفع فيها ونافعة للمجتمع، إلا أن هذا الإصلاح تعذر تارة بعد أخرى، وسقطت كل المحاولات: من تغيير في طريقة التصويت، إلى تغيير في الدوائر الانتخابية، إلى تغيير في الوجوه المنتخبة، إلى تغيير في آلية العمل داخل المجلس.. كلها فشلت، وفقدت التنمية والريادة الكويتية كل أدواتهما، ومن ثم تراجعت الإنجازات وكثرت العقبات وضجر المشاركون في العمل العام.

صباح الأحد الماضي، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي، حاملة بصورة موجزة نسخة من حكم المحكمة الدستورية الذي قضى بإبطال (للمرة الثالثة في تاريخ التجربة) المجلس المنتخب عام 2022 وعودة المجلس السابق المنتخب عام 2020، على قاعدة أن الإجراء المتخذ في حل المجلس السابق غير دستوري، والمفارقة أن اليوم الذي نطق بالحكم فيه كان الأحد، فيما الصورة الموزعة كتب على رأسها "اليوم الأربعاء"!

كالعادة انقسمت النخب السياسية والفقهية في قبول الحكم أو التحفظ عنه أو حتى نقده، كل قدّم أسبابه، وقد يكون بعضها مقنعاً أو غير ذلك، إلا أن "الفأس وقعت في الرأس"، وقد كان ذلك الحكم متوقعاً من أهل البصيرة، إلا أن العديد من السياسيين كانوا حتى آخر لحظة يرفضون توقع المحذور وعلناً على رؤوس الأشهاد.

وسائل التواصل الاجتماعي لها بعض الخير، وربما الكثير من الشر، ولكن في الحالة الكويتية وبالنسبة إلى النخب الفقهية والسياسية، فقد فضحت تلك الوسائل الشخوص، إذ قامت بمقارنة تصريح سابق بتصريح لاحق لسياسيين وقادة قانونيين، في أغلبها يناقض التصريح السابق التصريح اللاحق، كان في بعضها نقص في الفهم والتوقع، وللمراقب، ذلك يعبر عن الفوضى السياسية والفقهية التي يتعرض لها المجتمع الكويتي.

الصورة الأوسع، أن الإبطال جاء على خلفية أن حل مجلس الأمة السابق لم يكن دستورياً، لأن الحكومة التي قامت بالحل لم تصطدم بالمجلس، واقع الحال أن الحكومة التي سبقتها هي التي اصطدمت بالمجلس، وجاء على أثرها خطاب أمير قدمه ولي العهد في 22 حزيران (يونيو) 2022 استعرض فيه الانسداد في العمل السياسي، ووعد بحل المجلس بعد إجراء المشاورات القانونية. بمعنى آخر أن المؤسسة السياسية افترضت أن الحكومات، وإن تغيرت رئاساتها، تمثل النظام، وأن تفكيك الاحتقان سيأخد شكل الدعوة إلى انتخابات مبكرة، وقد جرت بالفعل في 29 أيلول (سبتمبر) 2022، وأنتجت ما عُرف بمجلس عام 2022.

تفسير بعض المجتهدين في القانون الدستوري أن موقف المحكمة الدستورية يفسر على أنه إشراف القضاء على السلطات العامة، وتأكيد فكرة الرقابة القانونية على السلطات العامة، وبالتالي تصويب الأخطاء!

إلا أن الإشكالية أو الصعوبات أكبر من ذلك بكثير، فالمعروف أن مجلس 2020 كان مجلساً منشقاً على نفسه، وفيه مجموعة رافضة لطريقة تسيير أعماله، وأيضاً تدخل الحكومة في اختيار الرئيس ولجان المجلس، ما أدى إلى استعصاء سياسي وخلاف حاد، أوصلا بعض الأعضاء للمرة الأولى في تاريخ العمل البرلماني الكويتي إلى الاعتصام لأسابيع داخل المجلس. عودة هذا المجلس لا تعني إلا العودة إلى التأزيم مرة أخرى، هذه المرة مضاعفة، لأن بعض أعضاء مجلس 2022 هم أعضاء في المجلس السابق، فشعور بعضهم بالإهانة تضاعف مرتين، الأولى فشلهم في تسريح المجلس السابق نهائياً (والذي عاد) بحكم المحكمة، والثاني فشلهم في الإبقاء على الثاني (الذي أبطل) والذي حصلوا فيه على معظم ما كانوا يطلبون!

من خلال ذلك التاريخ، فإن التوقع هو الدخول في أزمة سياسية مستحكمة وتعطيل عمل الدولة ومراوحة التنمية، وربما كثرة الشقاق المجتمعي.

المعضلة التي بين أيدينا معضلة هيكلية، تحتاج إلى معالجة جذرية في تغيير شامل للمسيرة، على رأسها إصلاح دستوري ناجز يأخذ بمتغيرات المجتمع الكويتي الديموغرافية والسياسية والثقافية، وذلك أمر كما هو ظاهر متعسر.

ومن طرف آخر، فإنه بقراءة متأنية لمنطوق الحكم وحيثياته، يمكن الاستنتاج أن المحكمة انتصرت للقانون وللدستور من دون لبس، وتلوم السلطة التنفيذية، بطريقة ما، على التعامل بخفة مع النصوص الواضحة وعدم اتباع الإجراءات الصحيحة، ما يعرّض المجتمع لهزات سياسية غير صحية، ويعني من طرف آخر، عدم دقة عمل المستشارين القانونيين للدولة، وربما خضوعهم لرغبات آنية وعدم تقصيهم للحقائق وتقديم الاستشارة المناسبة التي تحافظ على الشكل والموضوع في آن واحد.

ستبقى الساحة السياسية في الكويت ساخنة، وقد تتطور بطريقة سلبية لم يتوقعها أحد، ولكن الحقيقة المؤكدة أننا أمام استعصاء سياسي قانوني متكرر لن تنفع فيه المسكّنات.

omantoday

GMT 03:16 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

هذا اللقاء الفريد

GMT 03:14 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

ماكرون الغاضب

GMT 09:17 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 09:16 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

حرية الصحافة!

GMT 09:15 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

أشغال شقة (الكوميديا) الطازجة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن الديموقراطيّة ثمن الديموقراطيّة



الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

مسقط - عمان اليوم

GMT 11:56 2023 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بنزيما يعلن دعمه لملف السعودية لاستضافة كأس العالم 2034

GMT 11:14 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 20 ديسمبر/ كانون الأول 2023

GMT 10:58 2023 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 11 يوليو/ تموز 2023

GMT 08:43 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023

GMT 06:32 2023 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab