هدى الحسيني
التركيز الدولي حاليا هو على محاربة مقاتلي تنظيم "القاعدة" في مالي ودول شمال أفريقيا خصوصا الجزائر والصحراء، مع العلم أن هناك زحفا مستجدا لـ"القاعدة" في الشرق الأوسط وأوروبا، كما أن هناك طفرة نمو لهذا التنظيم في أفغانستان، حيث إنه مع حركة "طالبان" تمكنا من استعادة أجزاء كبيرة من مناطق انسحبت منها القوات الأميركية وسلمتها للجيش الأفغاني.
أثناء الحملة الرئاسية الأميركية قال الرئيس باراك أوباما في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: "اليوم تنظيم (القاعدة) في حالة فرار، فأسامة بن لادن لم يعد موجودا".. لكنه بعد أيام استدرك وقال: "لقد طاردنا قادة تنظيم (القاعدة) بشكل لم يسبق له مثيل".
وفي حين اختار الكثير من مقاتلي "القاعدة" الانضمام لحركات جهادية في سورية واليمن وشمال أفريقيا، فقد حل مكانهم في مخيمات كونار في باكستان كثير من التركمان والأوزبك.
كذلك يجري تدريب جهاديين أوروبيين في معاقل تنظيم "القاعدة" أنشئت في سورية ومصر من أجل أن يقوموا بعمليات إرهابية عبر خلايا سرية في أوروبا. وهذا ما يقلق بريطانيا وألمانيا، وما دفع بفرنسا لإرسال قوات إلى مالي من أجل استعادة شمالها من "القاعدة" والتنظيمات الموالية لها.
استهداف أوروبا تقرر بعد تعليمات أصدرها العام الماضي أيمن الظواهري الذي تسلم القيادة بعد مقتل بن لادن. لقد استغل التنظيم نقاط الضعف في الدول التي ركزت أجهزتها السياسية والأمنية على الانتقال من الأنظمة القديمة إلى هياكل سياسية جديدة ودساتير مختلفة، خصوصا في مصر وليبيا، أو حيث الأزمات التي طال أمدها مثل سورية واليمن.
الهدف التوجيهي لاستراتيجية "القاعدة" إعادة محاولة تنشيط التنظيم بعد الضربات التي عانت منها القيادة (تصريح أوباما). ويريد الظواهري من الهجمات الجديدة القضاء على "المرتدين" في مصر وسورية. (العام الماضي وجه عدة خطب من هذا النوع مع التركيز على بلده مصر)، وإنشاء قواعد في هذه الدول يمكن أن تعمل بوصفها نقطة انطلاق لعمليات إرهابية في المستقبل في دول أخرى في المنطقة وفي أوروبا.
ويقول خبير أوروبي في شؤون "القاعدة" إن "الظواهري سعى إلى فرض منحى عنفي مع الأحداث الحالية في مصر منذ اندلاع الثورة المصرية ضد نظام مبارك، لكن لم يمض وقت طويل على دعوته الجهاديين للانضمام إلى الثورة حتى صار ينتقد بشدة توجهات (الإخوان المسلمين)، وبدأ يقارن ما بين ديكتاتورية مبارك، ونظام الرئيس محمد مرسي الفاسد". (كان يقصد بهذا توجيه رسالة شعبية تلقى صدى لدى كثير من المصريين العاديين الذين ينتقدون مرسي ونظام "الإخوان المسلمين".
في مكان آخر دعا الظواهري إلى وضع الحكومة المصرية والمسؤولين الأمنيين على "القائمة السوداء"، كما دعا إلى شن هجمات على القوات المسلحة من أجل إسقاط مرسي قبل أن يصبح متأصلا، ومواصلة المسار الثوري لإعادة تأسيس دولة الخلافة.
يواصل محدثي كلامه فيقول: "في محاولة لتحقيق أهداف الظواهري لاحظت الدول الغربية أن مقاتلين من التنظيم انتقلوا من جديد من أفغانستان وباكستان إلى بلادهم الأصلية مصر، وكان سبقهم كبار من قادة التنظيم إلى هناك، منهم محمد جمال الكاشف والشيخ عادل شحاتو وتتهمهما واشنطن بأنهما بين الذين هاجموا وقتلوا سفيرها في بنغازي كريستوفر ستيفنز في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي".
بعد شهر من تلك العملية أشارت الصحف المصرية إلى غارة شنتها قوات الأمن المصرية على منزل سري في القاهرة يستخدمه الكاشف، وأدى ذلك إلى القبض على كثير بينهم مسؤول بارز ومصادرة مواد شديدة الانفجار يجري إعدادها لهجمات إرهابية.
في الوقت نفسه تتعقب السلطات المصرية عن كثب تحركات محمد شقيق أيمن الظواهري اعتمادا على سجله الماضي، كما اعتقلت كثيرا من نشطاء "القاعدة" في الأشهر الماضية. وتم اكتشاف تورطهم في ما كانوا يعتقدونه مؤامرة لإسقاط نظام محمد مرسي. ويقول الخبير الأمني الأوروبي، إنه في ظل هذا المناخ من الأنشطة الإرهابية المتزايدة يتم جلب جهاديين من دول مختلفة إلى مصر لفترات قصيرة من أجل التدريب وممارسة أنشطة تسبق العمليات المعدة. ويشير إلى أحد النشطاء الألمان الذي سافر إلى القاهرة لهذا الغرض إنما تحت ذريعة تلقي الدراسات الإسلامية والعربية. وفي شهر سبتمبر الماضي بث هذا الألماني، عبر برنامج تلفزيوني تهديده ملمحا إلى عمليات فوق الأراضي الألمانية.
في الوقت نفسه أصبحت سورية مركزا لعمليات "القاعدة"، وتضاعف عدد المقاتلين، كما زادت ثقتهم بأنفسهم فيما الأوضاع العامة في البلاد تتدهور. وكان نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قال في حديثه إلى صحيفة "الأخبار" اللبنانية (16 ديسمبر الماضي) إنه لا يمكن توقع أي نصر حاسم قريبا وإن الوضع سيزداد سوءا.
وبالإضافة إلى الخوف من قوات النظام السوري، فإن الأقليات العرقية في البلاد (المسيحيون، والدروز، والأكراد والعلويون) يتخوفون من ردود فعل عناصر إسلامية داخل الجيش السوري الحر. كما أن الغرب ينظر إلى "جبهة النصرة" بصفها واجهة لـ"القاعدة" في العراق، حيث تتنافس مع النظام على ارتكاب الفظائع.
يسأل محدثي: "إلى أي مدى هذه الجماعات المرتبطة بتنظيم (القاعدة) قادرة على فرض سيطرتها على سورية بعد الأسد؟ علينا أن ننتظر ونرى، لكن دوافعهم لذلك لا شك فيها"، ويشير إلى أن القيادة المركزية لـ"القاعدة" تنسق حملات الجهاديين في سورية بقدر ما تستطيع، وقد أرسل الظواهري العام الماضي ما لا يقل عن ثلاثة ممثلين عنه للإشراف على العمليات هناك.
تركيز الظواهري على سورية أدى إلى تدفق جهاديين من دول كثيرة. أحدهم آيرلندي من أصل ليبي يقود قوات للمتمردين في شمال سورية. آخرون مثله يحملون جنسيات أوروبية قاموا برحلة الجهاد إلى سورية. يقول محدثي: "هناك نحو مائة حامل لجوازات أوروبية ينشطون في سورية. البريطانيون الذين عادوا اعتقلوا لحظة هبوط طائرتهم في مطار هيثرو، وبينهم طبيب متدرب".
ناشط آخر يحمل جواز سفر إسبانيا يدعى رشيد وهيب تم الكشف عن هويته بعد ما قتل وهو يحارب في صفوف "جبهة النصرة". أغلب هؤلاء يصلون إلى سورية عبر جنوب تركيا، حيث آلاف السوريين الذين هربوا من القتال داخل بلادهم.
كان هدف وهيب كما علم لاحقا تدريب أوروبيين في معسكر خاص لتنظيم "القاعدة" داخل سورية، وهؤلاء من المتوقع أن يعودوا لاحقا إلى المسرح الأوروبي للقيام بعمليات. المعلقون الصحافيون الأتراك يدقون ناقوس الخطر من أن تدفق الإرهابيين عبر الحدود التركية – السورية (الجسر ما بين أوروبا والشرق الأوسط)، فتح فرصا جديدة لـ"القاعدة"، يستغلها جيدا زعيم "جبهة النصرة"، وقائد تنظيم "القاعدة" في الشرق الأوسط، وقد أثبت أبو محمد الجولاني قدراته العملاتية وإنشاء خلايا إرهابية تحت قيادته في الشرق الأوسط وأوروبا. وهذا مؤشر على أن ساحات نشاط "القاعدة" تزداد ترابطا، وما يتخوف منه المعلقون الأتراك، أن تركيا أصبحت بالنسبة لهم مثالا يحتذى.
محدثي يرى أن زيادة عدد المقاتلين الأوروبيين في سورية ومصر وأماكن أخرى، من المرجح أن تعمق التحدي المتمثل في معالجة الفكر الإسلامي المتطرف على مدى السنوات المقبلة، وأن حصولهم على الخبرة العسكرية والتنفيذية والدراية في تقنيات الإرهاب في الصراع السوري، يشكل تهديدا واضحا لن يبقى في سورية بعد سقوط نظام الأسد!