الثقافة الغالبة في لبنان الجديد

الثقافة الغالبة في لبنان الجديد!

الثقافة الغالبة في لبنان الجديد!

 عمان اليوم -

الثقافة الغالبة في لبنان الجديد

حازم صاغية
بقلم :حازم صاغية

قبل أسبوع نشرت صحيفة لبنانيّة، في صفحتها الثقافيّة، الخبر التالي: «تدعو المستشاريّة الثقافيّة الإيرانيّة في لبنان (...) إلى حضور ندوة بعنوان «تدنيس المقدّسات وتكريس المواجهات»، وافتتاح معرض يضمّ أعمالاً كاريكاتوريّة يحمل اسم «صراع النّار والنّور». ثمّ يذكر الخبر أسماء المشاركين في الندوة وهم، فضلاً عن المستشار الثقافيّ الإيرانيّ ووزير الثقافة محمّد وسام المرتضى، مطران وكاهن مسيحيّان وشيخ سنّيّ.

بعد يومين نشرت الصحيفة نفسها خبراً آخر عن مؤسّسة درزيّة تقيم نشاطاً عنوانه «تأثير الغزو الثقافيّ على الأسرة اللبنانيّة». أمّا الندوة التي سيشملها النشاط هذا فتسعى إلى «ترسيخ القيم الاجتماعيّة والأُسريّة في ظلّ الغزو الثقافيّ الأجنبيّ المدعوم من مؤسّسات إعلاميّة وغير إعلاميّة متعدّدة، وإلى التوعية إزاء مخاطره وانعكاساته على المجتمع والبيئة اللبنانيّة».

وبعد يوم لعين آخر، عادت الجريدة إيّاها فأعلمتنا بأنّ «دار المعارف الحِكَميّة» تنظّم، ضمن برنامجها الشهريّ لمناقشة الكتب، جلسة حول «الخلافة الإلهيّة بين الأسرار والإعلان: قصّة الثورات الإلهيّة منذ آدم حتّى قيام القائم». وإذ تتخلّل النشاطَ هذا مداخلتان لـ «باحثَيْن»، فإنّ الكتاب الذي سيُناقَش هو «بحث روائيّ وعقائديّ وقرآنيّ»، يتطرّق إلى «قصّة البشريّة، متناولاً صراع الحقّ والباطل منذ بدء الخلق».

أوّل ما يُلاحَظ أنّ الأخبار الثلاثة تتناول حدّين وجوديّين أقصيين: التدنيس والتكريس، النار والنور، الغزو والمقاومة، مخاطر التفلّت مقابل التوعية والقيم الأُسَريّة، الأسرار والإعلان، الحقّ والباطل منذ بدء الخَلق.

والحال أنّ هذا هو بالضبط اللاثقافة. ذاك أنّ ما يُسمّى ثقافة قد يكون أخلاقيّاً ودينيّاً وقد لا يكون، لكنّه في مطلق الأحوال حقل مستقلّ بذاته عن الأخلاق والأديان.

فالثقافة، في آخر المطاف، صياغة مبدعة للمحنة والمأزق، لا للحلّ، وللسؤال، لا للجواب، فيها تحلّ الحيرة محلّ اليقين، وحرّيّة التلقّي محلّ التوجيه، والتحوّل وتعدّد الأطوار محلّ الثبات والصمود، والتباين محلّ التوافق والتماثل اللذين لا ينتجان أدباً أو فنّاً.

وكان ليو تولستوي قد نبّهنا منذ السطر الأوّل في روايته «أنّا كارانينا» إلى أنّ «العائلات السعيدة كلّها متشابهة، لكنّ كلّ عائلة تعيسة تتعس بطريقتها الخاصّة». والفنّ والأدب يشيحان بوجهيهما عن العائلات السعيدة حيث لا مأزق ولا سؤال ولا حيرة ولا تحوّل، وحيث طغيان التشابه الذي أشار إليه الأديب الروسيّ الكبير.

ومثل العائلات السعيدة أولئك الواثقون من حقيقتهم، السعداء بها، المناضلون بلا هوادة لنصرتها، والموقنون بلا أدنى شكّ بقضيّتهم، بحيث لا يتوقّفون عن وعظ سواهم بالصواب الذي يعرفونه هم وحدهم، وعن تخوينهم أو تكفيرهم إن لم يتّعظوا...

لهذا فالأخوة والأخوات الذين يحيون مثل تلك النشاطات هم الذين يمارسون الغزو الثقافيّ، أو بالأحرى اللاثقافيّ، إذ يغزون الثقافة من خارجها عبر تديينها وتسييسها بالمعنى النضاليّ الكالح الذي صارت عليه السياسة.

وهنا يكمن النقاش، لا في الثقافة ولا في «الغزو الثقافيّ» المُرحّب به دائماً آتياً إلينا عبر السينما والمسرح والكتاب...

فأوّل ما يُلاحَظ أنّ الأخوة في «حزب الله» غائبون عن نشاطات يتوزّعها الأخوة في السفارة الإيرانيّة ببيروت، والأخ وزير الثقافة اللبنانيّ، وبضعة أخوة مسيحيّين وسنّة ودروز، ليس في عدادهم أخ شيعيّ لبنانيّ.

ذاك أنّ الأخوة الإيرانيّين، الواثقين من وفرة أعداد الأخوة بين الشيعة اللبنانيّين، يبحثون عن أخوة مسيحيّين وسنّة ودروز يشاركونهم تديين الثقافة وتسييسها، والتشارك في تحذيرنا من مغبّة الغزو الثقافيّ على الأسرة اللبنانيّة، وفي تنبيهنا إلى ضرورة تحصين قيمنا بحيث نكرّس المواجهات ردّاً منّا على تدنيس المقدّسات.

هكذا مثلاً لا حصراً، نغيّر مفهوم الكاريكاتير الذي نشأ أساساً كأداة فنّيّة للسخرية من النفس، فنجعله صراعاً بين النار والنور – نار الغزاة الأعداء ونورنا.

هكذا يندلق علينا النور لوحاتٍ ملحميّة ناصعة توقظنا إلى حقيقتنا التي لا تحتمل اللعب والمزاح، فلا نسخر، في الكاريكاتير، إلاّ من الشيطان وأعوانه الإمبرياليّين والصهاينة. وكيف لا تكون الحال هكذا فيما هم يغزوننا وعلينا أن نكون متأهّبين، نقيم في الخندق ونصف الخندق ونرسم الخندق الذي يعود تاريخ حفره إلى «بدء الخلق».

فنحن ينبغي ألاّ نُترك لغفلتنا التي تتلاعب بنا، والنفسُ، كما نعلم، أمّارة بالسوء، سيّما وأنّ الغزو الثقافيّ يتسلّل من حيث لا ندري فيفتك بنا أفراداً وعائلات. والراهن أنّ أفلام السينما، بشهادة وزير الثقافة، لن تتوانى عن الفتك، والمؤامرة في كلّ مكان لا تكاد تنعس حتّى توقظها المنظّمات الدوليّة الإعلاميّة وغير الإعلاميّة. وفي آخر المطاف لا بدّ أنّ اليهود يقفون وراء كلّ شيء.

لماذا يريد لنا الأخوة الإيرانيّون ومقلّدوهم من الأخوة اللبنانيّين أن نتحوّل إلى تلك الأخويّة البليدة والقاحلة، والتي يُرجّح أن تتوسّع لتصير هي إيّاها الثقافة – الثقافة التي ينفّذها أخوة رقباء؟

omantoday

GMT 22:25 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

حل الدولتين؟

GMT 22:23 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 22:22 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 22:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 22:19 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة الغالبة في لبنان الجديد الثقافة الغالبة في لبنان الجديد



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

مسقط - عمان اليوم

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 16:43 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab