بشّار الأسد و «استهبال» السوريّين

بشّار الأسد و «استهبال» السوريّين

بشّار الأسد و «استهبال» السوريّين

 عمان اليوم -

بشّار الأسد و «استهبال» السوريّين

حازم صاغية

ليس أسوأ من القسوة الوحشيّة التي يبديها النظام السوريّ إلاّ نزعته الانتخابيّة المستجدّة. فالأولى التي تفتك بأجسادهم تحترم عقولهم أكثر من الثانية التي تهين هذه العقول بوقاحة قلّ نظيرها. ذاك أنّ القسوة العارية تفترض أنّ السوريّين أقوياء ينبغي استئصال قوّتهم، أمّا السخاء في «الاستهبال» فيفترضهم «مساطيل» ينبغي تثبيتهم في «سطلنتهم».
في القلب من هذا «الاستهبال» الخبرُ الرائج عن ترشّح بشّار الأسد لرئاسة الجمهوريّة السوريّة، والذي تصدّت له النكتة وحدها تقريباً. والمضمر في هذا أنّ الأمر نكتة لا تستحقّ الردّ بغير النكتة. فالأسد المرشّح السابع بين أحد عشر مرشّحاً، قبل أن يبلغوا أربعة وعشرين لم توافق المحكمة الدستوريّة العليا إلاّ على ترشّح ثلاثة منهم، ثالثهم ترتيباً بشّار «حافظ» الأسد.
ولا شكّ في أنّ الموظّف الذي نيط به أن يكتب هذه الخلاصة ويعمّمها اصطكّت أسنانه فحاول أن يقول لرؤسائه: أعفوني من مسؤوليّة السماح لبشّار حافظ الأسد بالترشّح. ذاك أنّ الرئيس إن لم يغضب، غضبت عظام أبيه وأتت تنتقم في ليلة شكسبيريّة كالحة.
ولا بدّ من أنّ روع هذا الموظّف هُدّىء وسُكّن بأن قيل له إنّ الحدث كلّه أقرب إلى سهرة مقنّعة وإنّ عليه أن يلبس القناع لساعات قليلة.
مؤكّدٌ أنّ ذاك الحدث، بطبيعته، نكتة، والنكتة موضوع نموذجيّ للتنكيت. لكنّه ما دام حدثاً، والحدث هو ما يحدث، بات يستحقّ التعامل معه بجدّ. ذاك أنّ كثيراً من الجدّ مقيم في هزليّة الحدث المذكور. والجدّ هذا هو بالضبط صورة السوريّين عند رئيسهم وأجهزته.
فالأسد، بـ «ديموقراطيّته» المستجدّة زاد في الرقّة حتّى شجّع «مراقبين» و «معلّقين» موالين له، في سوريّة وفي لبنان، على المشاركة في «الاستهبال». وهؤلاء تساءلوا على شاشات التلفزيون ببراءة مطلقة: هل حصل مثل هذا في سوريّة منذ خمسين عاماً؟
وفي ذلك بدا شيء من ردّة الفعل التي اعترت المشدوهين بانشقاق القبر وخروج المسيح منه بعد ثلاثة أيّام على صلبه، وفق الرواية المسيحيّة. وهذا ما حصل فيما السماء تُبرق وتُرعد بينما تحاول الأرض ألاّ تنشقّ.
أمّا الإيحاء الضمنيّ هنا، فإنّ طرفاً ما غامضاً كان يمنع حصول انتخاباتٍ طوال حقبة مديدة. بيد أنّ الأسد قرّر أخيراً أن يتمرّد على هذا الطرف الغامض الذي ربّما كان الشعب نفسه وربّما كانته الإمبرياليّة أو الصهيونيّة. لكنّ الذاكرة غير المعروفة بقوّتها تقول إنّ حزب البعث حكم سوريّة منذ 1963، وإنّ حافظ الأسد هو الذي حكمها شخصيّاً منذ 1970 ليورّث الحكم بعد ثلاثين عاماً لنجله الرئيس الحاليّ.
فصورة النظام عن شعبه تنطوي إذاً، وأوّلاً، على خداع يُفترض ألاّ ينطلي على أبله. غير أنّ الأبله هذا، الذي لم يُسأل رأيه منذ خمسين عاماً، يُطلب منه اليوم أن يبدي ذاك الرأي من خلال اقتراعه. وبما أنّ النتيجة الانتخابيّة معروفة سلفاً، فالأمر لا يعدو كونه مسرحةً ومسخرةً لرأيه أو «باروديا» عنه. ذاك أنّ الخدعة تحمل في بطنها خدعة تحمل، هي الأخرى، في بطنها خدعة... وهكذا دواليك.
وهي ديناميّات بسيطة في «استهبال» السوريّين الذين أفضى قتل الأسد لهم إلى هجرة وتهجير يحولان دون تصويتهم أصلاً.
غير أنّها رسالة بليغة، لا في احتقار السوريّين فحسب، بل أيضاً في احتقار المعاني والدلالات. فلقد قال النظام: تريدون انتخابات؟، خذوا انتخابات يخوضها منافسون لسيادة الرئيس. أمّا تلك القيمة التي بدأت صناعتها مع اليونان القديمة، والمسمّاة ديموقراطيّة، فنصنعها ونحن واقفون على رِجل واحدة، ما بين مقتلة عابرة وأخرى. ذاك أنّ كلّ شيء قابل للصنع كوجبة سريعة «تستهبل» مئات الكتب التي وُضعت في الديموقراطيّة وشروطها. وهي أيضاً رسالة بليغة في احتقار العالم الذي يراد له أن يصدّق أنّ «ديموقراطيّة» ولدت في سوريّة ما بين برميل متفجّر وبرميل.
وذلك كلّه، ولفرط الثقة بالنفس، يبدو أشبه بما تتحفنا به كوريا الشماليّة. فالعزلة والهذيان اللذان يجعلان الحاكم «يستهبل» الشعب والعالم والمعاني دفعة واحدة، لا يبقى منهما في النهاية إلاّ «استهبال» صاحبهما.

omantoday

GMT 10:33 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هوامش في قمة البحرين: مجلس أم «مقنص»

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الانهيار المخيف

GMT 10:31 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نكبة مستمرة... وقضية مُختطفة

GMT 10:30 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نكبة مستمرة... وقضية مُختطفة

GMT 10:29 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

حكومة أخنوش: حصيلة نصف الولاية

GMT 10:27 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الازدواجية الأميركية والأسلحة الإسرائيلية

GMT 10:26 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

عندما تموت القلوب ويُستحوذ عليها

GMT 10:24 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

... عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بشّار الأسد و «استهبال» السوريّين بشّار الأسد و «استهبال» السوريّين



النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

الرياض ـ عمان اليوم

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab