لا عراق ولا سورية

لا عراق ولا سورية!

لا عراق ولا سورية!

 عمان اليوم -

لا عراق ولا سورية

حازم صاغية

أنذرنا غلاف مجلة «تايم» الأميركية، قبل أسابيع قليلة، بـ «نهاية العراق». وهذا ما يغدو اليوم عنواناً بارزاً من عناوين «النهايات» التي يوصف بها المشرق العربي اليوم. فما بعد استيلاء «داعش» على الموصل، وضم كركوك إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية، نجدنا أمام عراقات ثلاثة يجوز الشك الكثير في القدرة على رتق فجوتها، أكان ذلك بالديبلوماسية أو بالعمل العسكري.
لكن ما لا يُنتبه إليه كثيراً أن فناء العراق المحتمل إنما زُرعت مقدماته في فناء الداخل العراقي، كما الداخل السوري. والأمانة تقتضي القول إن ثمة مقدمات سبقت حزب البعث على الدرب هذا. فالتربية التي تلقتها أجيال عراقية على يد المنظر القومي العربي ساطع الحصري، والتنظيمات الشبابية شبه الفاشية للأخوين ناجي وصائب شوكت، وتجربة الملك غازي الذي توهم جعل العراق «بيامونت العرب»، تقليداً لتجربة الوحدة الإيطالية، وقمع الأقليات الأشورية والكردية، فضلاً عن الشيعة، وانقلابا بكر صدقي ورشيد عالي الكيلاني، و»الفرهود» الذي استجره الانقلاب الأخير وتداعياته بحق اليهود العراقيين، شكلت كلها البحر الذي غرف منه البعثيون اللاحقون. وطبعاً صعد البعث تلك المقدمات ومأسسها ودمجها في عمارته الفكرية.
فإذا كان حافظ الأسد، وعلى ما ذهبت تحليلات عدة، قد أعدم الداخل السوري لصالح التيمن الإمبراطوري، دوراً إقليمياً وتدخلاتٍ عسكرية و»أوراق» مقايضة، فمثله فعل صدام الذي خيضت في عهده ثلاث حروب كبرى، فضلاً عن الحرب المتواصلة على الأكراد، والحروب الصغرى المتبادلة، وغالبها أمني وإرهابي، مع سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وكان لإحدى «ملاحمه» أن ضجت بعُظام فظيع: فحين كانت الحرب الباردة تخبو، شاء صدام أن ينوب مناب الاتحاد السوفياتي فيتحدى، بقضمه الكويت، النظام الدولي السياسي والمالي.
وبالطبع تساوى صدام والأسد الأب في إنكار المبادئ التي يُفترض أنها مبادئهما. فحافظ قاتل «حلفاءه» الفلسطينيين واللبنانيين في 1976، ووقف إلى جانب الأميركيين ضد «الإخوة» العراقيين في 1990-1991. كذلك مرر البعث العراقي، عبر جيشه في الأردن، القوات الأردنية لضرب «الإخوة» الفلسطينيين في 1970، وقدم تنازلات ترابية وسياسية لنظام الشاه «الرجعي»، أواسط السبعينات، كي يخنق الانتفاضة الكردية، ثم هاجم، بالنيابة عن «الإمبريالية الأميركية والرجعية العربية»، النظام الإسلامي الإيراني بُعيد قيامه.
وكان ما رشح البعث في سورية لهذه المهمة مشابهاً لما رشح البعث في العراق لها، أي القاعدة الأقلية للسلطتين معطوفةً على أيديولوجيا قومية ذات انتفاخ أكثري مبالغ فيه. فالعاجز، في الحالين، عن إقناع شعبه بشرعيته وباستحقاقه السلطة، هرب من عجزه هذا بقوة خطابية ولفظية فائقة. هكذا وفيما كان النظام الأقلي، الأمني والعسكري، مولداً بطبيعته للأزمات، كانت الأيديولوجيا القومية ترسم خرائط الطريق للالتفاف على الأزمات تلك. ولما كانت الدعوة إلى «الوحدة العربية» قد فقدت كل معناها وحيويتها، وصارت سهلة على كل استخدام، لم يتبق من «العروبة» إلا الغرض الاستعمالي لمصلحة التيمن الإمبراطوري وأجهزته الأمنية الحاكمة.
واصطبغ، في هذا السياق، ما يُعرف بـ»حركة التحرر الوطني» في المشرق بمعنى محدد، هو استيلاء الكيانين البعثيين والعسكريين الأكبر، العراق وسورية، على قرار الكيانين غير البعثيين وغير العسكريين، لبنان والأردن، ومعهما الفلسطينيون حياةً وقضيةً. فالأردن ولبنان والفلسطينيون إنما جُعلوا المواد الأولية لسياسات التيمن الإمبراطوري وأسواق تصريفها في الآن ذاته.
هكذا، وقبل الانفجارين المدويين في سورية والعراق، مر البلدان في طور انتقالي عنواناه بشار الأسد ونوري المالكي، حيث احتُفظ بأولوية الخارج إنما في دور تابع فرضه تغير الظروف. فالمالكي أهدى بلده إلى إيران قبل أن يطالبها، ومعها الولايات المتحدة، بإنقاذه. وكان الأسد النجل قد سبقه إلى ربط بلده بالعجلة الإيرانية، بدلاً من التحالف الندي السابق، قبل مطالبة طهران، ومعها موسكو، بإنقاذه. أما «داعش» فعنوان هذا العفن الضارب في عشرات السنين من وظائف إقليمية منتفخة وذرائع إيديولوجية تافهة تكفلت إفناء بلدين.

 

 

 

omantoday

GMT 07:16 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أوطان تذوب ودول تُمحى

GMT 07:15 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

شبح العودة من الحرب

GMT 07:14 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

الحوثي... و«هارفارد» و«حماس»

GMT 07:11 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

السلام بين الردع المزدوج وعجز المتشددين

GMT 07:10 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

GMT 07:09 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

حكايات زائفة تملأ «النت»

GMT 07:08 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

نجوم الفضائح والتغييب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا عراق ولا سورية لا عراق ولا سورية



الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab