هل نخسر تونس أيضاً

هل نخسر تونس أيضاً؟

هل نخسر تونس أيضاً؟

 عمان اليوم -

هل نخسر تونس أيضاً

حازم صاغية

فيما تمكّنت الحروب الأهليّة - الإقليميّة من قضم الثورات في سوريّة واليمن وليبيا، وفيما انتصر الاعتذار عن ثورة يناير في مصر، والنكوص تالياً إلى «شرعيّة يوليو»، بزيّ عسكريّ وبطلب خلاصيّ، بدت تونس البلد المرشّح لأن يكون الاستثناء الناجح. ولم يقتصد الباحثون في تعداد الأسباب التي تؤهّل تونس لهذه المهمّة، بحيث تأتي استثنائيّتها ردّاً على نظريّة «الاستثناء العربيّ» حيال موجات التحوّل الديموقراطيّ التي راحت، منذ ربع قرن، تتفجّر على نطاق عالميّ.

لكنّ الأمور هناك لا تبدو على ما يرام. وما يضيف الإحباط إلى الخوف أنّ الفشل المحتمل لا تنتمي أسبابه إلى الأسباب التي أجهضت الثورات الأخرى: فلا العسكر أبدى شهيّة للحكم تفيض به عن ضفاف السياسة، على ما حصل في مصر، ولا الإسلام السياسيّ تمسّك بالسلطة ومارسها بما يتجاوز التفويض الديموقراطيّ، وهو أيضاً ما عرفته مصر، ولا الهويّات الجهويّة انفجرت وأطلقت الاحتراب داخل الهويّة الوطنيّة الجامعة، على غرار انفجار الهويّات الصغرى في ليبيا وسوريّة واليمن. على العكس، استحقّت تونس جائزة نوبل للسلام بسبب نجاحها في أن تبني صيغة للتعايش السياسيّ بين علمانيّين وإسلاميّين.

وإذا صحّ أنّ الأمن التونسيّ يبقى رجراجاً وعلى شيء من الاضطراب بسبب الجوار الليبيّ، معطوفاً على بؤر الإرهاب التي لم يعد يُستهان بها في الداخل، فهذا يبقى أقلّ من التسبّب بإفشال تجربة جديدة وواعدة لا تعوزها الشعبيّة. والأمر ذاته يمكن قوله عن الوضع الاقتصاديّ السيّء والانكماش المتغذّي على التدهور الأمنيّ تغذّي التدهور الأمنيّ عليه.

بيد أنّ الخليط الانحداريّ، الاقتصاديّ - الأمنيّ، يغدو قاتلاً في كنف أزمة سياسيّة شاملة هي المرشّحة لأن تلد الفشل المحتمل. وما يضاعف القلق أنّ سلوك القيادة الديموقراطيّة ذاتها من خلال حزبها الأبرز، «نداء تونس»، هو وسيط هذا الفشل المحتمل ورافعته، سيّما أنّه يفضي إلى توسيع التضارب والازدواج في عمل الأجهزة الرسميّة ذاتها.

فقد بات معروفاً أنّ «نداء تونس» يعاني تصدّعاً قد يغدو انشقاقاً بين «يمين» يقوده حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهوريّة، و»يسار» بقيادة محسن مرزوق، الأمين العامّ للحزب، وأنّ المكوّنات الأصليّة لـ «النداء» توالي تهديدها للهويّة الحزبيّة التي عجزت عن توحيد ما لم يمكن توحيده. فالضدّيّة التي كانت كافيةً إبّان معارضة العهد البائد لم تعد كافيةً اليوم، بعد بلوغ السلطة.

تضامن مع الوضع هذا صراعٌ على المواقع والمناصب في الحزب كما في أجهزة الدولة، وكان آخر مؤتمر يعقده «النداء» في 2012، فجاء هذا التعطيل انعكاساً للصراع المذكور وشحناً له في آن. وفي هذه الغضون ازدهرت أخبار، تمتزج فيها الوقائع بالإشاعات، عن «مافيات» مال وأعمال في الحزب والدولة، وعن نيّات توريث طاولت رئيس الجمهوريّة نفسه.

فإذا كانت الثورات المضادّة تستفيد عادةً من تناقضات القوى الثوريّة كي تنقضّ عليها، فهنا يواجهنا ما يشبه التطوّع لإنجاد الثورة المضادّة. وغنيّ عن القول إنّ هذه تجربة غنيّة بالعبر والمعاني. فمن جهة، يتأكّد أنّ مناهضة الإسلاميّين لا تكفي كلُحمة لبناء حزب، كما لا تكفي العلمانيّة، مثلها في ذلك مثل الإسلاميّة، لإنهاض التماسك الحزبيّ. ومن جهة ثانية، يتّضح حجم الافتقار إلى ثقافة سياسيّة ديموقراطيّة، تعلّم كيف يكون التحالف والتمايز والتقاطع والخصومة، ولا تنشأ من دونها حياة ديموقراطيّة. أمّا أخيراً، وهذا هو الأهمّ في هذا الصدد، فيستحيل السير نحو الديموقراطيّة بقيادة أداةٍ «يساريّوها» متخمون باستبداد لا يطيق التعاون مع إسلاميّين، و»يمينيّوها» منخورون بالفساد والتعامل مع الدولة كأنّها مزرعة.

فإذا سقطت التجربة التونسيّة تحت وطأة هذه الكوابح، وإذا أفاد إسلاميّو «النهضة» الذين يتفرّجون على «النداء» وتهاويه، فيُستحسن باللائمين «الديموقراطيّين» ألاّ يلوموا أحداً إلاّ أنفسهم. فبالطبع لا يكفي «الثقافيّ» وحده لتفسير ذلك، لكنّ المؤكّد أنّ «السياسيّ» وحده لا يكفي أيضاً.

omantoday

GMT 20:15 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات كبرى تقرّر مستقبل الشّرق الأوسط

GMT 20:12 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لا تعزية حيث لا عزاء

GMT 20:11 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

GMT 20:10 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

خرافات العوامّ... أمس واليوم

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نخسر تونس أيضاً هل نخسر تونس أيضاً



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 04:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 21:12 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 21:47 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

يتناغم الجميع معك في بداية هذا الشهر

GMT 19:34 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 19:40 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 23:29 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

عبارات مثيرة قوليها لزوجكِ خلال العلاقة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon