استهداف السعودية بندٌ إيرانيٌّ ثابت

استهداف السعودية بندٌ إيرانيٌّ ثابت

استهداف السعودية بندٌ إيرانيٌّ ثابت

 عمان اليوم -

استهداف السعودية بندٌ إيرانيٌّ ثابت

بقلم : غسان شربل

استهداف السعودية بندٌ ثابتٌ وقديمٌ على طاولة صاحب القرار في النظام الإيراني الحالي. إنها حقيقة أكدتها الأحداث على مدار عقود. استهداف السعودية ليس قراراً مؤقتاً أو عابراً. إنه خيار يتعلق بطبيعة النظام القائم في طهران ونظرته إلى الآخرين لا سيَّما الدول المجاورة.

حاولت السعودية على مدار عقود استكشاف أي إمكانية لتغيير هذا المسار. التقطت أي إشارة يمكن أن تعدَ بسياسة إيرانية عقلانية أو واقعية. اعتمدت سياسة اليد الممدودة حين تحدث البعض عن واقعية رفسنجاني. وحدث الأمر نفسه لدى شيوع الكلام عن مرونة محمد خاتمي. لم تتردد الرياض في اعتماد سياسة اليد الممدودة حيال أحمدي نجاد. وكانت التطورات تُظهر مرة بعد أخرى أن جوهر السياسة الخارجية موجود في مكتب المرشد لا في مكتب الرئيس. وثمة من وصل إلى حدِّ الاعتقاد بأن الواقعية العابرة التي يبديها الرؤساء أحياناً هي مجرد مساحيق لإخفاء حقيقة النظرة الإيرانية إلى السعودية، وهي نظرة المرشد الذي يأتمن «الحرس الثوري» على تنفيذ السياسات الراسخة في كتابه.

تعاملت السعودية بمسؤولية عالية مع اعتداءات أمنية حصلت على أراضيها أو استهدفت دبلوماسييها ومصالحها في الخارج. سعت إلى منع التصعيد وتفادي الانزلاق إلى مواجهات علنية تضاعف المخاطر في إقليم متوتر أصلاً. وكانت الرياض تراهن على أن يستنتج أصحاب القرار في طهران أن أوهام القوة مؤذية للجميع وليس فقط للآخرين. وأن لغة العداوة تصبُّ الزيت على النار وتضاعف التوتر المذهبي والسياسي والأمني.

حاولت طهران مراراً إخفاء حقيقة سياستها المعادية للسعودية عبر التحدث عن حسن الجوار والدور المشترك في تأمين الخليج وأمن الطاقة. لكن التحركات على الأرض كانت تدلل سريعاً على أن هذه الدعوات الإيرانية إلى أفضل العلاقات بين دول المنطقة كانت جزءاً من الحرب الإعلامية والدبلوماسية التي لا بدَّ من أن تواكب الحملة المفتوحة على الأرض.

ثمة مشكلة عميقة في العلاقات بين إيران والسعودية. مشكلة حاضرة أيضاً بين إيران وغالبية دول المنطقة والعالم. في عالمنا الحالي تبنى العلاقات بين الدول استناداً إلى مبادئ القانون الدولي والمصالح المتبادلة. لإرساء ذلك لا بدَّ من أن يكون مفهوم الدولة هو الغالب. المشكلة أن إيران تتوكأ على منطق الدولة حين تجد مصلحتها في ذلك لكن جوهر سياستها يبقى كامناً في منطق الثورة التي ترفض العيش ضمن خريطتها وترفض الاعتراف بالحصانة التي يعطيها القانون الدولي لخرائط الآخرين. وما كان الأمر ليشكل معضلة لو أن إيران بنت على أرضها نموذجاً سياسيا أو اقتصاديا جاذباً يمكن استلهامه طوعاً ولا تروِّج له خارج لغة الدبلوماسية والإعلام. لكن الذي حدث هو أن طهران حاولت وبذرائع مختلفة التسلل إلى أراضي الآخرين لفرض قدر من نموذجها، وبما يكفي لجعل الدول المستهدفة تدور في فلكها. هذه الاختراقات القسرية وبوسائل من خارج أصول التخاطب بين الدول المستقلة والسيدة حولت التدخلات الإيرانية نهجاً لزعزعة الاستقرار. لا نحتاج هنا إلى سوق الأمثلة. تزايد النفوذ الإيراني في هذه العاصمة أو تلك لم يؤدِ إلى إشاعة استقرار أو التمهيد لازدهار، بل أدَّى إلى إشاعة التوتر وتجويف الدول من مقوماتها الأساسية وزرع أسباب التوتر في علاقاتها بالعالم.

دول كثيرة، وبينها السعودية، حاولت فعلاً بناء علاقة طبيعية مع إيران. لكن هذه الدول اصطدمت باكتشاف أن الدولة الإيرانية ومؤسساتها ما هي إلا عباءة تتحرك تحتها سياسة الثورة التي تجيز لنفسها اختراق خرائط الآخرين والسعي إلى تبديل التوازنات على أرضهم وفي عواصمهم. والواضح هو أن إيران تتصرف كأنها ثورة تخشى التحول إلى دولة، لأن مثل هذا التحول ينسفُ مشروع الانقلاب الكبير المبني على تصدير الثورة.

في إطار سعيها لتنفيذ برنامج الانقلاب الكبير في المنطقة، اعتبرت إيران السعودية عائقاً كبيراً أمام برنامجها وطموحاتها، عائقاً خليجياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، عائقاً لما تتصف به السعودية من ثقل إسلامي وعربي ودولي. ثقل اقتصادي وسياسي تواكبه شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية مبنية على خيار الاعتدال والتعاون والحضِّ على الحوار والتفاهمات، وهو ما تجلَّى في أدوار الوساطة التي قامت بها في دول عدة. ولهذا السبب بالذات كان تطويق السعودية بنداً ثابتاً على طاولة الصانع الحقيقي للقرار في إيران. اعتبرت طهران الحالية أن إضعاف الحلقة السعودية يشكل مدخلاً ضرورياً للإمساك بقرار المزيد من العواصم أو على الأقل امتلاك القدرة على تعطيل قدرتها على القرار. وكانت الحلقة الأبرز التي كشفت على نحو لا لبس فيه برنامج تطويق السعودية بالميليشيات والجيوش الصغيرة العابرة للحدود بأفرادها أو صواريخها وطائراتها المسيرة، حلقة الانقلاب الحوثي. وأدركت السعودية منذ اللحظة الأولى أن إيران تحاول تحويل الحوثيين وكيلاً دائماً في زعزعة الاستقرار واختراق الخرائط، ولهذا تجاوبت مع نداء الشرعية اليمنية.

واضح أن السعودية مستهدفة بسبب حاضرها واعتراضها على سياسة تحويل خرائط عربية منصاتٍ لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة على أهداف عربية. والسعودية مستهدفة أيضاً بسبب ما يمكن أن يكون عليه مستقبلها في ظل التحول الكبير الذي تعيشه.

في هذا السياق، يمكن فهم العدوان على منشأتي النفط السعوديتين التابعتين لشركة «أرامكو». إنه تصعيد واسع وخطر والبصمات على الرسالة واضحة مهما نفت طهران. يدلُّ هذا التصعيد على مدى التوتر الذي يعيشه النظام الإيراني بفعل سياسة «الضغط الأقصى» الأميركية. إنه صبٌّ لمزيد من الزيت على نار المنطقة بهدف امتحان الإدارة الأميركية وتذكير واشنطن بقدرة طهران على تهديد إمدادات الطاقة، وجعلها رهينة إضافية في الأزمة المفتوحة. ردود الفعل العربية والدولية الداعمة للسعودية رداً على هذا العدوان تؤكد مرة أخرى حجم الهوة بين قاموس النظام الإيراني وقاموس القانون الدولي. بمضاعفة هذا النوع من الرسائل لا تترك إيران للسعودية إلا خيار توظيف ثقلها العربي والإسلامي والدولي لوضع المزيد من العوائق أمام الانقلاب الإيراني الكبير. وفي هذا السياق تملك السعودية الإرادة والقدرة، علاوة على ترسانة علاقات دولية مبنية على قاعدة دورها في إبقاء أمل الاستقرار والازدهار حياً في المنطقة

 

omantoday

GMT 00:04 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

المال الحرام

GMT 14:47 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين: رجل الضريح ورجل النهضة

GMT 14:45 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

رؤية تنويرية لمدينة سعودية غير ربحية

GMT 14:44 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن

GMT 14:43 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

... في أنّنا نعيش في عالم مسحور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استهداف السعودية بندٌ إيرانيٌّ ثابت استهداف السعودية بندٌ إيرانيٌّ ثابت



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 19:51 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 04:59 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:18 2025 الأحد ,13 إبريل / نيسان

قيمة التداول العقاري في عُمان تتراجع 64%

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 04:06 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الأضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 21:10 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:52 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 05:08 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

برج الثور عليك أن تعمل بدقة وجدية لتحمي نفسك

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon