المدرسة المرجانية أشهر الأماكن التاريخية في بغداد وأكثرها وقفًا
آخر تحديث GMT12:02:06
 عمان اليوم -

أسسها والي المدينة في عهد الدولة الجلائرية المعروف بالخواجة

المدرسة المرجانية أشهر الأماكن التاريخية في بغداد وأكثرها وقفًا

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - المدرسة المرجانية أشهر الأماكن التاريخية في بغداد وأكثرها وقفًا

سوق الشورجة التأريخي
بغداد – نجلاء الطائي

في وسط شارع الرشيد، وعند مدخل سوق الشورجة التأريخي، يقف جامع مرجان، أو المدرسة المرجانية، هذا الجامع الذي كان ضحية مباشرة لشارع الرشيد، حين قضى المسؤولون أن يزال معظم مبنى هذه المدرسة ليدخل في أرضه فبقيت أسسها المتينة تشكو وهي تقبع تحت اسفلت الشارع من جهالة الجاهلين وغفلة المتنكرين.

هذا الجامع أو المدرسة كانت في القرن الثامن للهجرة الرابع عشر للميلاد وحتى أواخر العصر العثماني أشهر مدرسة في بغداد وأكثرها وقفاً، وأحفلها كتباً وأخصها بنوابغ المدرسين ونابهي الطلبة أسس المدرسة المرجانية والي بغداد في عهد الدولة الجلائرية المعروف بالخواجة مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطاني الأولجايتي سنة 758هـ/1356م وكان هذا الوالي قد تولى الحكم مرتين في بغداد ففي المرة الأولى جاهر باستقلال العراق فقصده مولاه السلطان أحمد  الجلائري فكسر جيشه وحبسه، وأراد قتله غير أن علماء بغداد وأشرافها شفعوا فيه فعفي عنه وأطلق سراحه وأعاده بعد حين إلى منصبه واستمر حاكماً ببغداد إلى أن ادركه الموت سنة 793هـ/1374م.

ويذكر التاريخ أن هذا الوالي كان مصلحاً سعى في عمارة بغداد بعد أن خربتها الكوارث البشرية والطبيعية فكان من أعماله الخالدة هذه المدرسة الكبيرة والخان القريب منها ودار للشفاء أي مستشفى وكل هذه المنشآت كان من الفخامة والمتانة ما جعله يقوى على نوائب السنين أجيالاً بعيدة كما أن له من المصادر المالية ما ضمن له عناية دائمة ورعاية شاملة ويعود الفضل في ذلك إلى ما أوقفه مرجان نفسه عليها من أوقاف كثيرة تشمل دكاكين في السوق المجاور أي سوق الريحانيين المسمى اليوم بسوق الشورجة وفي مواطن أخرى من بغداد، وبساتين وحقول وقرى زراعية في خارجها ويشبه بناء المدرسة تلك المدارس الفخمة التي أنشئت في بغداد في العصر العباسي وبخاصة المدرسة المستنصرية المشيدة سنة 631هـ وذلك من حيث فخامة بنائها وطريقة تزيين جدرانها وأواوينها وسعة باحتها وتفاصيل أخرى ومن الواضح أن أمين الدين مرجان أراد أن يقلد المستنصرية العظيمة فيما أنشأه في  محاولة لتخليد اسمه بين أسماء كبار المنشئين والمصلحين من الخلفاء السابقين وربما كان هذا الإحساس هو الذي وراء محاولته الاستقلال بالعراق عن حكم الدولة الجلائرية وهو الذي يفسر في الوقت نفسه تأييد البغداديين في محاولته تلك ثم تشفعهم في العفو عنه وإعادته إلى منصبه بعد فشل ما سعى إليه كهف الضعفاء.

ويمكن أن نلمح أهمية هذا الوالي الذي جاء في غير سياق عصره في كتابة أثرية منقوشة على باب المدرسة المرجانية  ومن المؤسف أن أتت عوادي الدهر على بعض كلمات هذه الكتابة لكن ما حفظته لنا الأيام يصف أمين الدين مرجان بـمربي الملوك وعضد السلاطين فهو كان المقرب من السلطان لأياديه البيض في خدمة الدولة كما يصفه النص نفسه بأنه كهف الضعفاء مما يؤكد عطفه الشديد على الرعية واهتمامه بالإحسان إليها وليست المدرسة وتوابعها إلاّ أنموذجاً يدل على هذا الاهتمام وتتوسط الإيوان نافذة تعلو بابه مباشرة يمكن للجالس وراءها أن يرقب حركة الداخلين والخارجين.

ومع أن شارع الرشيد قد أودى بالجزء الأكبر من مبنى هذه المدرسة إلاّ أن ما تبقى ما زال يحتفظ بسمات الفخامة والروعة التي كانت عليها فالباب على صغرها تقع في أيوان كبير ذي حَنِيّات متباينة تحيط به بنية على شكل ضفيرة مبرومة من الآجر وفوق الإيوان جدار مزين بالزخارف الآجُرِّيَّة ويحيط الكل حاشية أنيقة من الآجر أيضاً ويلاحظ أن قاعدة هذا الباب تنخفض عن مستوى الشارع بنحو مترين ونصف وتفسير هذا الأمر أن أرض الشارع ارتفعت نتيجة ما تراكم فيها من أنقاض بمقدار هذه المسافة خلال الحقبة الممتدة من عهد بناء المدرسة في أواسط القرن الثامن للهجرة إلى يومنا هذا أي أنها كانت ترتفع في كل سنة نـحواً من نصف سنتمتر أو أقل قليلاً وهذا الباب بجماليته العالية، يذكرنا بالعمارة العباسية في بناء مداخل الأبنية المهمة فهي تتميز بزخارفها الآجرية البارزة ووجود الكتابة الأثرية في صدر إيوانها وهي تحمل اسم الخطاط البارع الذي خطها بقلمه وهو أحمد النقاش الذي كان معروفاً بزَرِين قَلَم أي بقلم الذهب إشارة إلى شهرته بالخط الجميل في كل سنة نـحواً من نصف سنتمتر، أو أقل قليلاً، وهذا الباب بجماليته العالية، يذكرنا بالعمارة العباسية في بناء مداخل الأبنية المهمة، فهي تتميز بزخارفها الآجرية البارزة، ووجود الكتابة الأثرية في صدر إيوانها، وهي تحمل اسم الخطاط البارع الذي خطها بقلمه، وهو أحمد النقاش، الذي كان معروفاً بزَرِين قَلَم، أي بقلم الذهب، إشارة إلى شهرته بالخط الجميل.

وترتفع على كتف الباب الأيسر مئذنة عالية، بمقياس مآذن عصرها، إلاّ أنها تتميز بالبساطة والانسجام، فهي تحمل حوضاً، أو شرفة لوقوف المؤذن، غير مزين بشيء من الزينة الآجرية، إلاّ بشريطين من قطع الآجر المزجج، المعروف بالقاشاني، ولا يختلف الجزء العلوي من المئذنة من حيث بساطته، وخلوه من الزينة، وتغطي هذا الجزء في قمته قبة مدببة، من النوع الذي كان سائداً في المآذن البغدادية في ذلك العصر، مثل مئذنة جامع الخفافين المرتقية إلى أواخر القرن السادس للهجرة، ومئذنة جامع معروف الكرخي التي بنيت في أوائل القرن التالي، ومئذنة جامع العاقولي التي ترقى إلى القرن الثامن للهجرة، أي إلى عصر المرجانية نفسه.

فإذا ما نفذ المرء من باب المدرسة، وجد نفسه في باحة فسيحة كانت قبل أن يمزق شارع الرشيد أشلاءها، تمثل ما يشبه أن يكون حوشاً كبيراً، تحيط به الحجرات من كل جانب من جوانبه الثلاثة، باستثناء الجانب الذي يلي الباب من جهة اليمين، فقد كان يحتله مصلى المدرسة أو مسجدها، وكان يتقدم هذا المسجد رواق يستند أحد كتفيه على جدار المسجد نفسه، بينما يستند الكتف الآخر على ستة أعمدة رشيقة، وواضح أن مهمة هذا الرواق كانت تتمثل في حجب أشعة الشمس القوية عن المسجد، وإيجاد مكان مناسب للصلاة في الصيف، وهذا ما يفسر وجود محراب صيفي في جدار المسجد. وفي الجدار كانت ثمة نافذة كبيرة تعلو باب المسجد الرئيس، ونافذتين علويتين صغيرتين،، وأخريين سفليتين كبيرتين تحاذيان أرض الرواق، وكل هذه النوافذ قد غطي بمشبك من الخشب المنقوش، والمركبة قطعه على نـحو متعامد.

 فإذا ما نفذ المصلي إلى داخل المسجد وجد نفسه في قاعة مستطيلة، عالية السقف، تستقر فوقها قبة  بصلية مستدقة، ترتكز بدورها على رقبة ظاهرة الارتفاع، محززة بحنيات بارزة متكررة، ومزينة جدرانها بزخارف من قطع القاشاني الملون، على نـحو متميز عما هو في القباب الأخرى المرتقية إلى العصر العباسي، ومزينة من أعلاها بزخارف قاشانية أخرى، وتوجد على جانبي القبة قبتان منخفضتان، تتميزان بوجود فتحات في أعلاها لغرض مرور النسيم ونفاذ الضوء إلى داخل المسجد.

 وبينما يوجد على أعلى جبهة المسجد كتابة أثرية تحمل بعض الآي الكريم، خلت القبة من كتابة مثلها، وهو أمر كان معتاداً في تلك العصور.  ومن المؤسف أن لا يجد الناظر اليوم من هذا المسجد شيئاً، فقد قضت عليه معاول التهديم، يوم أريد توسعة الشارع المجاور.

أما المسجد الحالي، فقد أقيم في جناح آخر من المدرسة، سلم من يد التهديم، ورفعت عليه ثلاث قباب، أكبرها القبة الوسطى، وقد قلدت فيها قبة المسجد الزائل إلى حد كبير. والمدرسة ذات طابقين، وقد خصصت الحجرات الأرضية لإلقاء المحاضرات واستماع الدروس، ولإقامة المدرسين، فالمدرسة كانت داخلية تماماً، بينما خصصت غرف الطابق العلوي لإقامة الطلبة وذلك بحسب التقليد السائد في مدارس ذلك العصر.

 اهتم مرجان بمدرسته، فعين فيها كبار علماء بغداد، واختير لها نخبة من الطلبة لمواصلة دراساتهم فيها، فهي كانت أشبه بالكلية الجامعة منها بالمدارس الأخرى، وقد جرى العرف أن يتولى التدريس فيها من كان الأعلم بين علماء بغداد، وكان لمدرسيها رواتب كافية، ولطلبتها مخصصات مالية وعينية تعينهم على مواصلة الدرس في ظروف مناسبة، كما عني أيضاً بتخصيص مبالغ تكفي لترميم المدرسة، والعناية بها، ودفع الرواتب لموظفيها، وقد استدعى ذلك منه أن يجد لمدرسته مصادر تكفي لتمويلها، فكان أن أنشأ لهذا الغرض خاناً تجارياً كبيراً، لم يكن يقل فخامة وضخامة وجمالاً عن المدرسة ذاتها.

ويقع خان مرجان في مكان قريب من المدرسة، عند مدخل شارع أسامة بن زيد حالياً، وقد تم بناؤه في سنة 760هـ/1358م، وقد عرف في العهود المتأخرة بخان الأورتمة، أي الخان المستور المغطى، ذلك أن الخان كان يتميز عن معظم خانات بغداد بأن فناءه، أي حوشه الداخلي، مغطى بعقود هائلة، قد عقد ما بينها بسقوف معقودة أخرى، ومن ثم أتاح هذا للتجار الذين كانوا يرتادونه أو ينزلون فيه فرصة الإقامة الطيبة، حيث تحفظ بضائعهم وأكثرها من الأنسجة الحريرية ونحوها من العوادي الطبيعية، بينما تجري في فنائه الصفقات التجارية، وتبرم العقود بين مرتاديه من التجار والخان عبارة عن بهو مسقوف ترتفع قاعدته 14 متراً عن أرضيته.

ويتميز هذا المبنى بالإضافة إلى سلسلة العقود المتوازية بنقوش كتابية تشكل سطور تزين البوابة للمدخل من جهة سوق البزازين الحالي حيث تحوي تسعة أسطر من الكتابة البارزة في الآجر، كتبت على نـحو بالغ الروعة والدقة! وتمثل سائر الكتابة وقفية مرجان الكبيرة على المدرسة المرجانية، ودار الشفاء التي أنشأها على شاطئ دجلة، في نهاية شارع أسامة بن زيد ، وتوضح هذه الوقفية أن مما وقفه مرجان، للإنفاق على هاتين المؤسستين، فضلاً عن الخان نفسه، مجموعة من الدكاكين وأربعة خانات في أسواق بغداد الشرقية، وخان في جانبها الغربي، فضلاً عن بساتين عديدة ومنشآت مختلفة في قرى بغداد وجوارها، منها مندلي وبهرز وبعقوبا ورباط جلولاء، وهي المقدادية اليوم، وأنه وقف كل ذلك(وقفاً صحيحاً شرعياً تقبل الله منه تعالى منه الطاعات في الدارين وبلغه نهاية المراد).

يتألف خان مرجان من طابقين يحتوي الأول، أي الأرضي، على 22 حجرة، والثاني، أي العلوي، على 23 غرفة، وتزين أبواب الطابق الأرضي مقرنسات يؤدي فيها البروز الآجُرِّى وظيفته الجمالية المثلى، وهي تكون سلسلة من المشكاوات المقوسة تنحدر منها زخارف مقرنسة، وتستند على حوامل وأفاريز تخرج من الجدار بصورة تدريجية حتى تبتعد عنه بما يقرب من المتر الواحد، وتؤلف نطاقاً مزخرفاً يزيد عرضه على المترين ويحيط بالبهو من جهاته الأربع على ارتفاع أربعة أمتار. ويعد هذا النوع من البناء الذي يفصل بين الطابقين من أنفس آثار الريازة التي تشاهد في بناء الخان.

ومن ناحية أخرى فقد وفق مصمم هذه القاعة في طريقة إضاءتها بضياء الشمس، وذلك باستعماله النوافذ المعقودة المخرمة على نـحو فني جميل. ويمكن للمشاهد أن يرى أجزاء من جدران الخان وقد اسود لونها، فالقوم كانوا يوقدون في فناءه النار لغرض التدفئة في فصل الشتاء، وقد أثر الاستخدام السيئ للمبنى، بوجه عام، فضلاً عن عوادي الطبيعة، إلى أن يتعرض إلى آثار تخريب وتلف، مما دفع مديرية الآثار القديمة العامة إلى ترميمه ترميماً شاملاً، وجعلته متحفاً للفنون الإسلامية، وأطلقت عليه اسم (دار الآثار العربية)، فصار الخان مقصداً للسياح والزوار عدة عقود من السنين.

 بيد أن ارتفاع مستوى المياه الجوفية في أرض الخان وما حوله، أدى إلى أن تغمر المياه هذه الأرض، فلم يعد يصلح لأن يكون متحفاً، فلم يكن من دائرة الآثار إلى أن تنقل معروضاته، وأن تقوم بعملية صيانة واسعة له، نجحت في خلالها في ترصين أرضيته وجدرانه بمادة الأسمنت حتى تمت السيطرة على عملية نضوح المياه الجوفية إلى داخله، ثم جرى استغلاله بوصفه مطعماً سياحياً يقصده السياح والناس عامة لقضاء ساعات في هذا الجو البغدادي الأصيل.

وحينما نخرج من الخان، لا نملك إلاّ أن نتذكر بالخير ذلك المنشئ الكبير، الذي أشاد المؤرخون بعدله وإحسانه، حتى قيل أن خيراته لم تشمل الفقراء والمساكين فحسب، وإنما شملت السنانير، أي القطط، والزراريق وحيتان الشط والطيور، فكان قد اشترط أن تطعم من الأصناف الغذائية التي تلائم طبيعتها كل يوم هنا عند هذا الموضع من دجلة، كانت ترمى الأطعمة للسمك، وهنا في صحن هذا المبنى الذي كان داراً للشفاء كانت تعطى الأطعمة للحيوان، فالخير، كما أراد مرجان، كان يصل إلى الجميع، طعاماً وعلماً وشفاءً من كل داء .

 

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المدرسة المرجانية أشهر الأماكن التاريخية في بغداد وأكثرها وقفًا المدرسة المرجانية أشهر الأماكن التاريخية في بغداد وأكثرها وقفًا



GMT 14:39 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

مسقط - عمان اليوم

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:15 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 20:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لتزيين الجدران الفارغة في المنزل المودرن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab