تعيش بلدان العالم بين مطرقة الحاجة لتحريك عجلة اقتصاداتها وإعادة فتح حدودها وأعمالها، وسندان الخوف من موجة ثانية لفيروس كورونا المستجد، لا يُعرف على وجه الدقة مدى قوتها أو تأثيرها، وتسعى الدول جاهدة لتخطي آثار جائحة كورونا التي تسببت بخسائر اقتصادية كبيرة عبر إعادة فتح الأعمال والمنافذ لتحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة، مدفوعة بتقارير تسلط الضوء على التداعيات السلبية للفيروس من الناحية الاقتصادية.
فبحسب تقرير لوكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، تناول تأثير التباطؤ الاقتصادي الناجم عن وباء كورونا على الأوضاع المالية في 14 دولة من بينها الولايات المتحدة واليابان وإيطاليا وبريطانيا، فإن الجائحة ستزيد من مستويات الدين في الدول الغنية في العالم بنسبة 20 نقطة مئوية في المتوسط سنة 2020، وهو يعادل ضعف الضرر الذي تكبده الاقتصاد العالمي إبان الأزمة المالية الكبرى.
ولفت التقرير إلى أن نسب الدين الحكومي في هذه الدول سترتفع مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، بنحو 19 نقطة مئوية، نحو مثلي النسبة في 2019 إبان الأزمة المالية.
كذلك قالت مديرة صندوق النقد الدولي، إن الحكومات في أنحاء العالم أنفقت عشرة تريليونات دولار على الإجراءات المالية المتخذة في مواجهة الوباء وتداعياته الاقتصادية، لكن ثمة حاجة لمزيد من الجهود الكبيرة.
وأوضحت كريستالينا جورجيفا أن تقديرات جديدة تفيد بأن ما يصل إلى 100 مليون شخص قد ينزلقون إلى الفقر المدقع بسبب الأزمة، مما سيمحو مكاسب تقليص الفقر للأعوام الثلاثة الأخيرة.
ومن جانبه، توقع البنك الدولي أن يتسبب فيروس كورونا في تقلص الناتج العالمي 5.2 بالمئة في 2020، وهو ما سيكون أعمق انكماش منذ الحرب العالمية الثانية.
ودفعت هذه الأرقام السلبية عددا كبيرا من الدول لاتخاذ خطوات أو التفكير بحلول تعيد الحياة لاقتصاداتها، وسط تحذيرات من خبراء وعلماء من خطورة هذه الخطوة إذا لم تكن مدروسة على نحو دقيق، وذلك في حال ظهور موجة ثانية لوباء "كوفيد-19".
ففي بريطانيا وغداة إعلان رئيس الوزراء بوريس جونسون إعادة فتح الحانات والمطاعم وصالونات تصفيف الشعر والمتاحف ودور السينما في مطلع يوليو بعد إغلاقها منذ نهاية مارس، نشر ممثلو الأوساط الطبية رسالة مفتوحة في مجلة "بريتيش ميديكال جورنال" المتخصصة.
وكتب موقعو الرسالة، ومن بينهم رئيس الجمعية الطبية البريطانية التي تمثل الأطباء في المملكة المتحدة: "رغم أنه من الصعب التكهن بالشكل الذي ستتخذه الجائحة في المملكة المتحدة، فإن الأدلة المتوافرة تكشف تزايد احتمال ظهور بؤر محلية، وأن هناك خطرا فعليا بحصول موجة ثانية".
وتابعت الرسالة: "ينبغي الآن عدم الاكتفاء بمعالجة العواقب المهمة لأول مرحلة من الوباء، بل التثبت أيضا من أن البلد مهيأ بالشكل المناسب لاحتواء مرحلة ثانية".
وعبّرت منظمة الصحة العالمية، الخميس، عن قلقها من أن إصابات فيروس كورونا يرتفع من جديد في أوروبا، مشيرة إلى تخوفها إزاء الأنظمة الصحية في حال لم تجر السيطرة على هذا التفشي الجديد الذي بدأ بعد رفع قيود العزل.
وأعلن مدير فرع أوروبا في منظمة الصحة العالمية هانز كلوغ خلال مؤتمر صحفي عبر الفيديو من كوبنهاغن: "الأسبوع الماضي، شهدت أوروبا ارتفاعا في عدد الإصابات اليومية للمرة الأولى من أشهر. شهد 30 بلدا ارتفاعا في عدد الإصابات التراكمية خلال الأسبوعين الماضيين".
وبيّن كلوغ أنه "في 11 من هذه الدول أدى تسارع العدوى الى انتشار كبير مجددا يمكن، في حال عدم السيطرة عليه، أن يدفع الانظمة الصحية إلى استنفاد طاقاتها مرة أخرى في أوروبا".
ورغم التخوف من خطورة الموجة الثانية لفيروس كورونا، إلا أن عددا من الخبراء والمختصين يرون بعض المؤشرات الإيجابية التي يعتقدون أنها ستساهم في تخفيف حدة الفيروس.
فوفق الأستاذة والباحثة في علم الأدوية الدكتورة ميس عبسي، فقد طورت الدول بروتوكولات للتعامل مع "كوفيد-19" باحترافية، وهناك أيضا تجارب سريرية خاصة بالفيروس بدأت تؤتي نتائج مبشرة على مستوى علاج المصابين بالمرض أو الأعراض المرتبطة بالوباء.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" قالت ميس: "حتى ولو كانت هناك موجة ثانية لكورونا، فقد أصبح العالم اليوم يتمتع بمعرفة أكبر بشأن طبيعته وآليات انتشاره، فضلا عن التوصل لعلاجات مجدية في عدد من الحالات، وكل ذلك يقودنا للاعتقاد بأن الجولة القادمة ستكون أقل ضررا".
وبدوره قال الأستاذ ومستشار علاج الأمراض المعدية الدكتور ضرار بلعاوي، إنه لا يمكن معرفة إمكانية حدوث موجة ثانية لفيروس كورونا أو موعد حدوثها، لكن يرجح أن تكون في الخريف أو الشتاء، إلا أن تاريخ "الفيروسات التاجية" ومنها كورونا، يشير إلى ضعفها بمرور الوقت وانتقالها من شخص لآخر، وذلك لكونها تفقد تكوينها الجيني.
ودعا ضرار للتفريق بين مصطلحي "الموجة" و"الارتداد"، موضحا: "ستحدث موجة مع دخول فصلي الخريف والشتاء، وما حدث في بعض الدول من عودتها لتسجيل إصابات بعد تراجع ملحوظ، مرّده عودة عدد من المواطنين المصابين بالفيروس لبلدانهم الأصلية، وهي عبارة عن ارتدادات وبائية".
وأشار ضرار في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن العلم لا يستطيع أن يصدر قرارا نهائيا حول شدة الموجة الثانية، وخصوصا أن تخفيف القيود قد يجعل البعض يشعرون بالإحساس الزائف بالأمان، ولكن دراسة الفيروسات المعروفة أثبتت أن طفراتها وموجاتها التالية لم تكن أشرس من الأولى.
وسلطت ميس الضوء على "عامل المناعة"، الذي تم تطويره خلال المدة الممتدة من ظهور الوباء وحتى الآن، ووجود الأجسام المضادة في بلازما المصابين، وقد تلعب دورا محوريا في الحرب ضد الوباء بالموجة التالية.
وردا على سؤال يشغل بال كثيرين فيما إذا كانت الموجة القادمة لفيروس كورونا أقوى أو أضعف من الحالية، أوضحت ميس أن الإجابة غير معروفة، وهو ما أكده ضرار أيضا بالقول: "يقارن البعض بين كورونا والإنفلونزا الإسبانية التي كانت موجتها الثانية أقوى، إلا أنه ينبغي أن ندرك أن الظروف مختلفة، فقوة الموجة الثانية كانت بسبب عودة الجنود من الحرب العالمية الأولى حاملين معهم المرض، كما أن الإجراءات الاحترازية كالتباعد وارتداء الكمامات لم تكن موجودة آنذاك، لذا كانت الآثار كبيرة".
قد يهمك ايضًا
أرسل تعليقك