السباحة ضد التيار

السباحة ضد التيار

السباحة ضد التيار

 عمان اليوم -

السباحة ضد التيار

عمار علي حسن

إذا كان التيار السياسى يجرفنا بعيداً عما نأمل فيه ونتمناه ونستحقه، فإن السباحة ضده تصبح ضرورية، شرط أن تكون فى النور، ووفق قواعد اللعبة التى تعارفت عليها الجماعة الوطنية، واتفقت إرادتها الحرة، واستقر يقينها، وانعقد عزمها، وارتاح ضميرها، واطمأنت إلى كل ما فيه الخير والسكينة.

هذا النوع من السباحة ليس هواية أبداً، إنما واجب، بل هو بطولة ونبل، تبتعد بالسابحين عن الانجراف مع سيل عرمرم، قد يعم ويطم ويأخذنا جميعاً إلى ما لا تُحمد عقباه.

وتزداد هذه الضرورة مع وجود من يعتقد وهماً أو زيفاً، أن الكل يجب أن يخضع لجريان هذا التيار، ويعتقد طوال الوقت أنه يسيل ويتقدم فى الطريق الصائب السليم، وليس له أن يتوقف، ولو لبرهة واحدة ليسأل نفسه: هل هو ماء طيب جارٍ مُستساغ يسقى الزرع والضرع، أم أنه أشبه بطوفان يجرف كل شىء بلا روية ولا تمهل ولا تدبُّر؟

يُقال دوماً عمن يعارض فى بلادنا إنه يسبح ضد التيار، وقائلو ذلك يفترضون، وهماً من عند أنفسهم، أن الكل معهم بالضرورة، أو أن من معهم ليس من حقه أن ينصرف عنهم أو يتمهل قليلاً ويتوقف عن الجريان فى ركابهم. كما أنهم يعتقدون، كذباً، أن ركبهم يسير طوال الوقت، وفى كل المواقف والقضايا والقرارات، على الدرب النافع.

ويُقال عن السلطة فى بلادنا دوماً إنها التيار الوحيد الذى علينا جميعاً أن نسبح معه، مغمضى العيون، وقد كان يحلو، ولا يزال، لأتباع السلطة أن يصفوا رئيس الجمهورية بأنه «الربان الماهر الذى يقود السفينة فى بحر متلاطم الأمواج»، فطالما قال صفوت الشريف، أمين عام الحزب الوطنى المنحل، هذا فى وصفه للمخلوع حسنى مبارك، وكرّر الإخوان العبارة بلغتهم عن «مرسى» فتحدّثوا عنه على أنه امتداد لـ«المرشد» الذى يعرف كيف يسير بنا إلى «الحق» فى وجه الباطل، ونعتوا كل من لا يقبل هذا بأنه «خارج عن الصف» و«مفارق للجماعة»، ودعونا جميعاً نمضى مع «القطيع» ونُسلم رؤوسنا لـ«القيادة الربانية» التى لا تنطق عن هوى، ولا تهفو فى التعبير ولا التدبير أبداً. وسمعت على فترات متقطعة من عاد يصف الرئيس عبدالفتاح السياسى بالرُّبان، والبلد بالسفينة، والأوضاع التى نمر بها بالبحر الهائج متلاطم الأمواج، ويقول إن الرُّبان يعرف كل شىء عن البحار والمحيطات وأنواع السفن وخرائط الملاحة.

فى المجتمعات الحية السليمة الصحية لا يوجد تيار واحد، إنما تيارات متوازية تتقدّم إلى الأمام، متفقة فى الغاية، ومختلفة فى الوسائل. وفى هذه المجتمعات يمثل المختلفون نهيرات صغيرة تصب فى النهر الكبير، لكنها تحافظ على استقلالها فى السير والجريان، بما يضبط إيقاع التيار ومدى سيره ومساره، ويجعل ماءه يسقى النسل والحرث، ولا يتحول إلى فيضان مدمّر، أو طوفان مهلك، أو ينحرف نحو المستنقعات.

فهل تعلمنا الدرس من الماضى، أم سنسبح جميعاً، بآذان أصابها الصمم، وعيون أغمضها العمى، وسواعد تضرب بلا هدف، فى اتجاه الانتحار الجماعى، حين يصل بنا التيار الجارف إلى ناصية جرف عالٍ، ثم يهوى بنا إلى ما ليس له قرار؟

 

omantoday

GMT 09:24 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

ليست إبادة لكن ماذا؟

GMT 09:22 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

بهلوانيات المشهد السوداني!!

GMT 09:20 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

دستور الكويت ودستور تركيا... ومسألة التعديل

GMT 09:19 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

آثار نجران و«حِمَى الثقافية» بالسعودية

GMT 09:15 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة

GMT 09:14 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

ضياع في إسرائيل

GMT 09:13 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

الهوس بالمرأة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السباحة ضد التيار السباحة ضد التيار



اختيارات النجمات العرب لأجمل التصاميم من نيكولا جبران

القاهرة - عمان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab