«لام شمسية» حين تخجلُ الشمسُ

«لام شمسية»... حين تخجلُ الشمسُ

«لام شمسية»... حين تخجلُ الشمسُ

 عمان اليوم -

«لام شمسية» حين تخجلُ الشمسُ

بقلم: فاطمة ناعوت

اللغةُ مرآةُ الضمير، والشمسُ لا تخطئ طريقَها، لكنها قد تتوارى خجلًا حين تكونُ شاهدةً على فصول من الإعتام الإنسانى والتقزّم الروحى. كيف يشرق النورُ فوق أمكنة يُخدشُ فيها الطُهرُ، وتنكسرُ أحلامُ الطفولة تحت معاول القُساة؟! فى مسلسل «لام شمسية»، نرى كيف تنطفئ الشمسُ فى عيون الصغار حين تُغتالُ براءتهم، فى صمتٍ بارد، تحت سُقفٍ يُفترضُ أنه آمنٌ!. بدايةً، تحيةَ احترام للعنوان العبقرى الذى يحمل طبقات من الرموز والدلالات؛ توجز مأساة «المسكوت عنه» مما يحدث بين ظهرانينا ولا ننطق به خجلا أو جُبنًا وربما تواطئًا، مثلما نكتبُ اللام الشمسية ولا ننطقها.

مسلسل «لام شمسية»، تأليف المبدعة «مريم نعوم» وإخراج «كريم الشناوى»، يقتفى أثر ظلٍّ ثقيل يجثم فوق صدر الطفولة، وكأن الأبجدية تُعلن احتجاجها على اختلاط الحروف النورانية بالخطايا والدنايا مثل جريمة «التحرش بالأطفال». «لامٌ شمسية»، لكنها لا تضىء كشمس، بل تستتر وتتخفّى، مثلما تختبئ الخطيئةُ وراء أبوابٍ موصدة، وقوانينَ لا تنجح فى القصاص من الخُطاة، إلا إذا حررنا صمتَ «اللام الشمسية» لتصرخَ فى وجه وحشٍ لا يستحى من افتراس الصغار.

أكثرُ ما يميّز المسلسل أنه لا يتحدثُ عن الضحية والجانى، بل عن المجتمع ككل. مَن يصنعُ المُجرم، ومَن ييسّر له الاستمرار فى جُرمه؟ هل نصوّب السهم إلى المنحرف فحسب، أم نختصمُ ثقافةً خجولا تُبرر الصمتَ وتُعلِّمُ الأطفالَ أن «الفضيحة» أسوأُ من الجرم؟ المسلسلُ الجسور يضعُ الجميع أمام مسؤولياتهم: الأهل، المُعلمين، القانون، القُضاة، المحامون، والضمير المجتمعى. جرسُ إنذارٍ زاعقٌ يستحيلُ تجاهله، حتى فى مجتمع يُفضِّل الصمت على المواجهة، غافلا عن أن صمته لا يُنجّى المجرمَ وحسب، بل قد يصنع من الضحايا الصغار جُناة مستقبليين.

هذا المسلسل اختبارٌ للضمير المجتمعى «الانتقائى» الذى كثيرًا ما يختارُ الصراخَ فى وجه قضايا تافهة، ويغضُّ الطرف عن كوارثَ مريعة. يعلمنا المسلسلُ أن الصمت ليس خيارًا حين يدنو الأذى من صغارنا. إنها «مرآة ميدوزا» نُطالع على صفحتها خيباتنا وتداعياتها المستقبلية، دون وعظ فجّ، ولا استغلال للتيمة الشائكة من أجل الإثارة الجوفاء، بل جاء السرد الواقعى «المُورِّط» ليجعل المشاهِدَ شريكًا فى القصة، ومسؤولا عن تغيير الواقع المتخاذل ومواجهة تلك الظاهرة المخيفة. المسلسلُ يقتربُ من «التابو» المُحرَّم، لكنه لا يُقدمهُ كحكاية مأساوية مجردة، بل كناقوس خطرٍ يُحتِّم علينا الصحوَ قبل أن يصبح صغارنا ضحايا الصمت والتواطؤ.

التحرش بالأطفال ليس مجرد «حدث» قاسٍ فى دراما تلفزيونية، نشاهدها ونتألم لها، ثم ننساها، بل هو لعنةٌ عالقةُ فى هواءٍ نلوّثه بصمتنا. تأتى الحكاية لتُحرِّك المياه الراكدة، وتنكأ البقعة المظلمة فى وعينا؛ فتُرينا كيف يذوى الطفلُ حين يفقد الشعور الأمان، وكيف تتشقق روحُه مثل زجاج نافذة تُرمى بالحجارة فيتصدّعُ ببطء، ولا يبقى منه إلا شظايا تجرح كل مَن يحاول ترميمها.

لا يُمكن الحديث عن «لام شمسية» دون التطرق إلى الواقع القانونى والاجتماعى. فى عالمنا العربى، يظل التحرش بالأطفال قضية يُفضل البعض دفنها تحت ركام العيب والفضيحة، بدلًا من مواجهتها. وحين يتحرك القانونُ تظلُّ صعوباتُ إثبات الجريمة حائلا دون إتمام القصاص. لهذا يجب تثقيف الأطفال بالوعى بقداسة أجسادهم وخصوصيتها، لوأد الجريمة قبل وقوعها.

المجتمع فى «لام شمسية» ليس مجرد مشهد خلفى، بل هو شخصية حاضرة بكامل ثقافتها ووعيها إن واجهت القبح، أو غفلتها وجهلها إن صمتت وأغمضت عينيها عن الظلم وغلّفته بوهم الحفاظ على «السمعة». فى المسلسل، يتحول الصمتُ إلى شريك فى الجريمة، لأنه يعمق معاناة الأطفال الضحايا ويقيد تحركاتهم فى محاولة للهروب من جدران الخوف. ولكن مع كل صمت، يظهر دائمًا بصيص من الضوء، يتمثل فى أولئك الذين لا يستسلمون للخوف، ويواجهون.

تحية احترام لضيف الشرف، الفنان العظيم «كمال أبو رية» لأدائه المدهش دور القاضى بوجهه العابس من هول ما بين يديه من أوراق ووقائع تضرب فى صميم الكرامة الإنسانية، ورِقته فى التعامل مع الطفل، وتهذبه الحاسم فى التعامل مع الحضور والصحافة حين يطالبهم بإخلاء القاعة، وإنصاته لآراء مستشارى الميمنة والميسرة فى غرفة المداولة قبل نطقه بالحكم. تحية احترام للطفل «على البيلى» بطل العمل لأدائه المضبوط على ميزان الذهب، والرائع «محمد شاهين» الذى كان «صمتُه ونظراتُه وابتساماتُه المبتورةُ وتعبيراتُ وجهه» أبطالا إضافيين فى شخصيته المركّبة، وللقديرة «صفاء الطوخى» التى تصارع داخلها الضميرُ والأمومة، وجميع أبطال المسلسل الجميل. شكرًا للموسيقى التصويرية التى جاءت كصوتٍ خافتٍ يتسللُ إلى الوعى، فلا تُزعج، بل تُوجع. وشكرًا للإضاءة، والظلال التى كانت جزءًا من اللعبة البصرية؛ حيث درجاتُ الرمادى العَبوس، مثل عبوس أطفال فقدوا إحساسهم بالأمان، والإعتام الموغل كأنما الشمسُ فقدت قدرتها على الكلام كما «لام شمسية» خرساء.

 

omantoday

GMT 20:15 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات كبرى تقرّر مستقبل الشّرق الأوسط

GMT 20:12 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لا تعزية حيث لا عزاء

GMT 20:11 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

GMT 20:10 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

خرافات العوامّ... أمس واليوم

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«لام شمسية» حين تخجلُ الشمسُ «لام شمسية» حين تخجلُ الشمسُ



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 21:21 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 18:09 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 17:00 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 19:12 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:46 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 04:28 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:30 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 19:31 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 16:52 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 04:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 09:21 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الميزان

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon