انتصر الجيش فى المعركة لكن الشعب لم يكسب الحرب

انتصر الجيش فى المعركة لكن الشعب لم يكسب الحرب

انتصر الجيش فى المعركة لكن الشعب لم يكسب الحرب

 عمان اليوم -

انتصر الجيش فى المعركة لكن الشعب لم يكسب الحرب

حسن نافعة

فى مثل هذه الأيام من عام 1973 سجل جيش مصر العظيم واحدة من كبرى الملاحم العسكرية فى التاريخ، تعجز حتى أقوى أفلام هوليوود عن محاكاتها. ففى تمام الساعة الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر بدأت عملية عبور لواحد من أصعب العوائق المائية فى تاريخ الحروب، وقبل أن ينتصف ليل ذلك اليوم كانت خمس فرق كاملة من المشاة والمدرعات قد تمكنت من عبور هذا المانع بالفعل، وراحت تحاصر وتدمر المواقع الحصينة فى خط بارليف، أحد أقوى خطوط التحصينات العسكرية الدفاعية فى تاريخ الحروب. المذهل فى الأمر أن خسائر هذه العملية الضخمة، والتى بدت متقنة الأداء كسيمفونية رائعة، لم تتجاوز 1% مما كان مقدرا لها، وهو أمر يعود الفضل فيه بالدرجة الأولى إلى نجاح خطة خداع استراتيجى بالغة الدهاء تمكنت من تضليل الموساد الإسرائيلى وأخفت ساعة الصفر عن عيونه الساهرة.
لا جدال فى أن الإنجازات التى تحققت خلال الأيام الأولى من هذه الحرب كانت من الضخامة بما يكفى لإثبات أن الجيش المصرى سجل فيها نصرا كبيرا وحقيقيا وأسقط أسطورة «الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر». يكفيه أنه تمكن بعد ساعات قليلة فقط من بدء الحرب من كسر نظرية الأمن الإسرائيلى، ومن غسل عار هزيمة 67، التى قصمت ظهر شعب مصر وكسرت أنف زعيمه الخالد جمال عبدالناصر.
وإذا كان من حق الشعب المصرى أن يحتفل كل عام بهذا النصر الكبير، فعليه فى الوقت نفسه أن يعى دروسه المستفادة، وأهمها فى تقديرى:
1- أن شعب مصر قادر دائما على تحقيق المعجزات، حين تتوافر لديه الإرادة والتصميم، وحين يتسلح بالعلم والتخطيط، وحين تتقدم صفوفه قيادة وطنية شجاعة يمكنها الصمود فى وجه التحديات، واتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، والحرص على تغليب المصالح الوطنية الكبرى على المصالح الشخصية.
2- أن جيش مصر لا يخوض الحروب لمجرد إثبات شجاعة رجاله وقدرتهم على تعلم واستيعاب فنون وأدوات القتال الحديثة، أو حتى لغسل عار هزيمة سابقة، لكنه يخوض الحروب، حين تفرض عليه، من أجل تحقيق غايات أسمى تتعلق بتحرير الأرض، وللمحافظة على حرية واستقلال الإرادة الوطنية فى كل الأوقات، ولتهيئة الأوضاع الداخلية والخارجية الملائمة لحشد وتعبئة الطاقات والموارد التى تمكن شعب مصر من الانطلاق على طريق التنمية والتقدم وتحقيق الرخاء لكل المواطنين.
ليس بوسع أحد أن يدعى، اليوم، رغم مرور أربعين عاما على هذا الانتصار العسكرى المبين، أن أيا من هذه الأهداف الكبرى قد تحقق بالفعل. فسيناء، التى تحررت من قبضة الاحتلال الإسرائيلى، فرضت عليها ترتيبات أمنية خاصة تركت فراغا أريد للجماعات الإرهابية أن تملأه، فتحولت إلى شوكة فى خاصرة الوطن، وباتت تهدد استقلاله ككل، وشعب مصر الذى ضحى كثيرا من أجل تحقيق هذا النصر، وتطلع إلى الرخاء بعد سنوات عجاف، يجد نفسه اليوم فى حال أسوأ مما كان عليه قبل الحرب. فنصف السكان تقريبا يعيشون الآن تحت خط الفقر، وخدمات التعليم والصحة والمرافق وأحوال البيئة تدهورت إلى درجة مرعبة، ووصلت إلى مستويات متدنية لم تعرف لها مصر مثيلا منذ تأسيس دولتها الحديثة على يد محمد على، بل أصبحت الإرادة الوطنية مقيدة وعاجزة عن القيام بأى دور إقليمى أو دولى أو حتى حماية استقلال مصر والأمن الوطنى والقومى بالمعنى الحقيقى والكامل. فمن المسؤول، ومن حول الانتصار الرائع إلى هزيمة ساحقة؟
لقد عبر جيش مصر إلى الضفة الأخرى للقناة وتمكن من تدمير خط بارليف، محققا بذلك انتصارا عسكريا لا شبهة فيه فى معركة 73، غير أن القيادات السياسية التى تعاقبت على حكم مصر منذ ذلك الوقت لم تستطع تحقيق النصر فى الحرب الشاملة، لأنها لم تتمكن من العبور بشعبها من حالة التخلف إلى حالة التنمية، ومن حالة الجهل إلى حالة العلم، ومن حالة الفقر إلى حالة الغنى، ومن حالة المرض إلى حالة الصحة، ومن حالة الاستبداد إلى حالة الديمقراطية، ومن حالة التبعية إلى حالة الاستقلال. مصر لاتزال تنتظر العبور الحقيقى.

omantoday

GMT 05:50 2024 السبت ,23 آذار/ مارس

عاربون وعاربات... هل انتهى الترحل؟

GMT 05:48 2024 السبت ,23 آذار/ مارس

العولمة البشرية المتحركة

GMT 05:43 2024 السبت ,23 آذار/ مارس

مقتطفات السبت

GMT 05:41 2024 السبت ,23 آذار/ مارس

الفلسطيني محايداً... ما أطيَب العيش!

GMT 05:38 2024 السبت ,23 آذار/ مارس

فرنسا الماكرونية وطريق الحرب الكونية

GMT 05:29 2024 السبت ,23 آذار/ مارس

كلمة السر فنلندا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتصر الجيش فى المعركة لكن الشعب لم يكسب الحرب انتصر الجيش فى المعركة لكن الشعب لم يكسب الحرب



الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

مسقط - عمان اليوم

GMT 11:35 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

توقعات الأبراج اليوم الأحد 18 يونيو/ حزيران 2023

GMT 13:44 2023 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 30 سبتمبر/أيلول 2023

GMT 02:47 2023 الإثنين ,31 تموز / يوليو

توقعات الأبراج اليوم الأثنين 31 يوليو/ تموز 2023

GMT 11:29 2023 الجمعة ,29 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 29 سبتمبر / أيلول 2023

GMT 02:24 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 11 سبتمبر ​/ أيلول 2023

GMT 12:35 2023 الأحد ,25 حزيران / يونيو

توقعات الأبراج اليوم الأحد 25 يونيو/ حزيران 2023

GMT 02:51 2023 الإثنين ,21 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الاثنين 21 أغسطس /آب 2023
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab