عن الدولة والعشيرة

عن "الدولة" و"العشيرة"

عن "الدولة" و"العشيرة"

 عمان اليوم -

عن الدولة والعشيرة

عريب الرنتاوي

لكأننا نخوض في دوامة لا مخرج لها أو منها، حين يتصل البحث والجدل بالعنف الجامعي والعشائري..منذ سنوات طوال ونحن "نلوك" العبارات ذاتها، ونردد المقترحات ومشاريع التي يثبت يوماً بعد آخر، أنها في غير مطرحها، أو أننا لسنا بصدد إنفاذ أيٍ منها..حتى أننا في الآونة الأخيرة، بدأنا العمل بمنطوق المثل القائل: داوني بالتي كانت هي الداء..حيث أخذنا بتسيير "الجاهات العشائري" لفض المنازعات العشائرية المتنقلة بين الجامعات والمدن والطرق الرئيسة، وتوسعنا في استصدار "البيانات العشائرية" و"عرائض الوجهاء" و"مواثيق الشرف العشائرية" لحل هذا الإشكال..لكأنه لا مخرج من مشكلة العنف العشائري المُتَخذٍ شكل المشاجرات الطلابية الدامية، إلا من داخل العشيرة ذاتها، وبنفس منطقها و"قانونها" وأدواتها..لقد نسينا "الدولة" ومنطقها وقانونها وسيادتها وهيبتها وأدواتها..نسينا أن "الإفلات من العقاب" تحت أي عذر أو مبرر، هو العامل الرئيس الذي يشجع على انتهاك القانون والخروج عليه. كل ما نشهده هذه الأيام، من مشاجرات جماعية وعنف جامعي، وتفشي ظاهرة "الخاوات" و"الابتزاز"، وانتشار "البؤر السوداء" التي لا تطالها يد الأمن ورجاله، وتتحول إلى ملاذات آمنة للصوص والسرّاق..كل ما نشهده من عمليات تعدٍ على الطرق وقطع لها..هي ظواهر غير مسبوقة منذ أن كان للأردن والأردنيين "دولة" و"قانون سيّد"، ومنذ أن أمكن للدولة أن تفرض هيبتها على الجميع، فكان يكفي وجود "مخفر" بثلاثة أنفار، حتى يستتب الأمن والأمان، وتفرض الدولة حضورها على الجميع، ويشعر المواطن بأنه آمن على نفسه وماله وعرضه..هذه الصورة تهتز اليوم، كما لم يحدث في الأردن على امتداد عمر "الدولة". لكأننا نرجع القهقرى، بخلاف ما هو عليه حال بعض المجتمعات والدول العربية ذات البنية العشائرية الراسخة..هناك نجحوا مثل ما نجحنا من قبل، في بسط سيادة الدولة على العشيرة (دول الخليج مثالاً)، وفي اليمن ما زالت محاولات الانتقال من "العشيرة" إلى "الدولة" تسير بكثير من البطء والتعثر لأسباب وظروف شتى..أما نحن الذين نجحنا في الانتقال من "العشيرة" إلى "الدولة"، وقطعنا شوطاً على هذا الطريق، نعود اليوم بالانكاء من مرحلة الدولة إلى مرحلة العشيرة، وتتحول الدولة في نظر كثيرين منّا، إلى "اتحاد للعشائر"، لا دولة جميعها مواطنيها الأفراد..ويحل "القانون العشائري" أو ما يسمى بـ"العدالة غير الرسمية"، محل سيادة القانون. الدولة تستقيل من كثير من وظائفها، ليس لصالح المؤسسات الأكثر تجسيداً للحداثة، أو "مؤسسات ما بعد الدولة" كما يمكن أن يقال (أحزاب، مجتمع مدني، نقابات عمالية ومهنية قطاع أعمال)، بل للمؤسسات السابقة للدولة، الناهضة على روابط الدم القرابية..في الحالة الأولى، يكون الانصهار المجتمعي و"الهوية الوطنية" قد بلغا ذروة اكتمالهما..أما في الحالة الثانية، فتتفكك الهوية الوطنية لصالح هويات فرعية مصطرعة، ويحل التفتت والاستقطاب والانقسام محل الوحدة والوئام الوطنيين، وتصبح العصبويات الطائفية وأدواتها العنفية الغريزية، هي وسائل الحوار وحل الخلافات، حيث تسود الفوضى والفلتان، ويستعصي إنفاذ مبادئ "سيادة القانون" و"عدم الإفلات من العقاب" و"المواطنة المتساوية". على "الدولة" أن تحسم أمرها..فهي إما أن تستعيد دورها ووظائفها، وتضع نفسها ومجتمعها على سكة الحداثة والعصرية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وإما أن تقبل بالتآكل والتراجع والضمور، تاركةً فراغاً لن تملأه سوى "البنيات الاجتماعية" القائمة..وفي دولنا ومجتمعاتنا العربية، بمن فيها الأردن، رأينا كيف أمكن للدولة الوطنية، دولة ما بعد الاستقلالات العربية، أن تجهض الحياة الحزبية والسياسية والمدنية في مجتمعاتنا، مبقية فقط على "مؤسستين" عجزت عن تفكيكهما: القبيلة والمسجد. ولهذا لم يكن يصعباً بعد سقوط نظام صدام حسين على سبيل المثال، أن نرى هذه الفورة العشائرية في العراق، أو أن نرى كل هذا "التطيف" و"التمذهب" في الحياة السياسية والاجتماعية العراقية..وما حصل في العراق، حصل ويحصل بأقدار متفاوتة، في عديد من الأقطار والمجتمعات العربية، والأردن ليس بعيداً عن هذا المضمار، وإن كان من بين دول قلائل في المنطقة، ما زالت تمتلك "فرصة" بناء الدولة الحديثة والتحوّل الديمقراطي السلمية، واستعادة سيادة القانون وبسط سلطانه على الجميع من دون استثناء ومن دون إفلات من العقاب. على الدولة أن تحزم أمرها، مرة وإلى الأبد..وأن تسعى في بناء الإرادة السياسية الجمعية للخروج من هذا الحال..فالديمقراطية، إما أن تكون حزبية أو لا تكون..لا ديمقراطية عشائرية..والبرلمان إما أن يكون تعبيراً عن الإرادة السياسية للأردنيين أو أن يصبح "لوياجيركا" على الطراز الأفغاني...والدولة تنهض على "سيادة القانون"، ولا مطرح فيها لـ"قانون موازٍ"، والعدل أساس الملك، والعدل يقرره دستور البلاد وتشريعاتها، ولا أحد آخر أو جهة أخرى، مخولة بفرض "عدالتها" على الآخرين. وحين نتحدث عن "سيادة القانون" والحاجة لفرض سلطان الدولة وهيبتها، لا نقترح نصب أعواد المشانق، ولا إشاعة الأحكام العرفية..و"الحلول الأمنية" ليست سوى مساراً واحداً من مسارات المعالجة، وليس أكثرها أهمية..لكننا في المقابل، لا نستطيع أن نفهم أو نقبل، كيف أن "مركزاً أمنياً" يقترح على من سُرقت سيارته أن "يدفع بدلا نقدياً" لسارقها، لأن استعادتها تبدو مهمة عصية على التحقيق..ولا نجيز، إعادة إنتاج مهزلة التوجيهي والاعتداء على قاعات الامتحانات..ولا نقبل بحال، أن نرى رؤساء الجامعات عاجزين عن توجيه إنذار أو فصل طالب متلبس بجرم العنف المشهود. تأخرنا كثيراً في معالجة هذه المظاهر، حتى غدت المهمة اليوم، شديدة الصعوية وعصية على الحلول..وما لم نبادر من فورنا للمعالجة، بسيف القانون وسلطان الدولة، فلن يبقى قانون، ولن تبقى دولة. نقلا عن مركز القدس للدراسات السياسية 

omantoday

GMT 14:19 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

حنجورية المواقف وواقعها

GMT 14:18 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

مشكلة جامعة الدول

GMT 14:16 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

GMT 14:15 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

اللواء «قدري الزهيري».. الرحمةُ التى غابت!

GMT 14:14 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

معنى النكبة

GMT 14:12 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

العالم عند مفترق طرق

GMT 10:00 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

استهداف الحوثيين والإيرانيين في البحر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الدولة والعشيرة عن الدولة والعشيرة



النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

الرياض ـ عمان اليوم

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab