أبو الفتح البستي أمير الجناس

أبو الفتح البستي... أمير الجناس

أبو الفتح البستي... أمير الجناس

 عمان اليوم -

أبو الفتح البستي أمير الجناس

بقلم:تركي الدخيل

أول مرة تعرفت فيها على أبي الفتح البُستي، كانت خلالَ مطالعتي قبل سنوات كتابَ الثعالبي: «خاص الخاص»، وهو كتاب فريد، أحسن فيه المؤلف التطواف بين نوادر مقولات العرب والعجم، فأجاد الانتقاء، وبرعَ في عرض الأقوال والحِكم، ما جعلَ الكتاب، يكون رفيقاً لي في تنقّلاتي، وأنا جذل بملازمتِه، ثم علمت لاحقاً من أكثر من صديق، أنَّهم يفعلون الشيءَ ذاتَه.

كان لافتاً أنَّ الثعالبي يستعذب نصوصَ أبي الفتح البستي، ويحتفي بها، ويُكثِر من إيرادها، مستشهداً بها في مصنفاتِه وكتبه؛ وهما وإن جمعت بينهما حبالُ صداقةٍ ومحبةٍ وود، إلا أنَّ الاستشهاد كان دافعُه موضوعياً، لا شخصياً. وعن هذه العلاقةِ قال الثعالبي: «جمعته وإِيَّايَ، لُحمَةُ الأَدَب، التي هي أقوى من قرابةِ النسب»، كما وصفه بأنَّه: «صَاحب الطَّرِيقَة الأنيقة، فِي التَّجْنِيس الأنيس، البديع التأسيس، وَكَانَ يُسَمِّيه الْمُتَشَابه، وَيَأْتِي فِيهِ بِكُل طَريقَة لَطِيفَة، وَقد كَانَ يُعجبُنِي من شعره العجيب الصَّنْعَة، البديع الصِّيغَة، قَوْله:

أَسَرَتنِي عبارة أبي الفتح البستي، فهي شديدة الاختزال، واسعة المعنى، رشيقة العبارة، لافتة الإشارة، خصوصاً في توقيعاته النثرية، وَبدَا لِي؛ أَنَّه بكلامه المختصر، الأنيق، العميق، يؤكد مقولة النِفري (ت 354 ه)، الخالدة: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة».

قال عنه الذهبي: «لَهُ نَظْمٌ فِي غايةِ الجودة، كبيرٌ، سائرٌ بين الفضلاء». وفي تاريخ دمشق: «قال علي بن أحمد البستي: أبو الفتح، الكاتب، الشاعر، أوحدُ عصره في الفضل، والأفضال، والمروءة. طبقت بلاغتُه في النثر والنظم، طبق الأرض، وذاع ذكرُه في الآفاق، وسارَ شعرُه في البلاد، وطريقتُه في الحِكمة معنى، وفي التجنيس لفظاً، معجزة لا ينكرها أحد».

والبُسْتي، نسبة إلى مدينة بُست، وهي ضمن أفغانستان حالياً، حيث وُلِدَ، وأتقن علوماً مختلفة، وبرزَ فيها، تأكيداً على نباهته وتميزه، فقد روى الحديث عن ابن حبان، صاحبِ الصحيح، وروى عنه الحاكم، صاحب المستدرك، ووصفه الأخير، بأنَّه: «هو واحدُ عصرِه... كان أديباً مطلقاً، نظماً ونثراً»، وتمكَّن من علوم أخرى، لكِنّه اشتهر بالشعر والأدب. كان أبو الفتح يكتب أبياتاً قصيرة، وقصائدَ غير طويلةٍ، بينها ما تشرئبُ إليه الأعناق، أشهرُها وأطولُها، قصيدتُه ذائعةُ الصِّيت، واسعةُ الانتشار، المسماة: «عنوان الحِكَم»، ويُقال لها أيضاً: نونيةُ البستي، التي تناقلتها الأجيالُ منذ حياةِ شاعرها إلى يومِنا هذا، مستشهدة بما فيها من حِكَم فريدة، وتجاربَ عديدةٍ، ومَعان مفيدة. وربما رَدَّدَ بعضُنا أبياتاً من القصيدة، دون أن يعرف أنَّها للبستي، ومنها:

مَنْ كانَ للعَقلِ سُلطانٌ عَلَيهِ غَدا وما على نَفسِهِ للحِرْصِ سُلطانُ

وفي تواضعٍ منه، وتأكيد على أهميةِ التجارب، وتراكمِ المعارف، يقول أبو الفتح:

ولأبي الفتح البستي، نثرٌ بديعٌ، يشبه التواقيع، أختم بطائفةٍ منه المقال:

*مَن أَصلَحَ فَاسِدَه، أَرغَمَ حَاسِدَه. *مِن سَعَادَةِ جَدِّك، وُقُوفُكَ عَندَ حَدِّك. *إذا بَقِيَ مَا قَاتَك، فَلا تَأسَ عَلَى مَا فَاتَك. *رِضَا المَرءِ عَن نَفسِه، دَليلُ تَخَلُفِهِ ونَقصِه. *عَادَاتُ السَادَات، سَادَاتُ العَادَات. *الخَيبَة، تَهتِكُ الهَيبَة. *أَفحَشُ الإِضاعَة، الإِذَاعَة. *الدَعَة، رَائِدُ الضَعَة. *الخِلافُ، غِلافُ الشَّرِ. *اشتَغِل عَن لَذَّاتِك، بِعِمَارَةِ ذَاتِك. *مَن أَطَاعَ غَضَبَه، أَضَاعَ أَدَبَه. *الفهم، شعاع العقل. *حَدُّ العَفَاف، الرِضَا بالكَفَاف. *الفِكرُ، رائدُ العَقلِ. *كَفَى بالنُهَى نَاهِياً، وبِالهُدَى هَادِياً. *الْبِشْرُ، عُنوانُ الْكَرَم. *المِرَاءُ، يهدم الْمُرُوءَة. *نِعمَ الشَّفِيعُ إِلَى عَدوك عقله. *رُبَّ مَقَالٍ لَا تُقَالُ عَثرَتُه. *لَا ضَمَان على الزَّمَان. *الفلسفةُ، فَلُّ السَّفَه. *الْعَقل، جَهبَذُ النَّقْل. *الإِنْصَاف، أَحسَنُ الأَوْصَاف. *البَيَانُ، عِلمُ العِلمِ. زِيـادَةُ المرءِ فِي دُنيـاهُ نُقْصـانُ

أحْسِنْ إلى الناسِ تَسْتَعْبِدْ قُلوبَهُـمُ

وإِنْ أَساءَ مُسيءٌ فلْيَكنْ لكَ في

وكُنْ على الدَّهرِ مِعوَاناً لِذِي أَمَلٍ

واشدُدْ يَدْيكَ بحَبلِ الدِّينِ مُعتَصِماً

يا خادِمَ الجسمِ كمْ تَشقَى بِخِدْمَتِهِ

أَقْبِلْ على النَفسِ واسْتكمِلْ فَضائِلَها

مَنْ كَانَ للخَيرِ مَنّاعَاً فليسَ لَهُ

مَنْ جادَ بالمالِ مَالَ النَّاسُ قاطِبَةٌ

مَنْ سالَمَ النّاسَ يسلَمْ من غوائِلِهمْ

مَنْ كانَ للعَقلِ سُلطانٌ عَلَيهِ غَدا

وَرِبْحُهُ غيرَ مَحْضِ الْخَيْرِ خُسْـرانُ

فطالَمـا اسْتعبَدَ الإنسانَ إحْسـانُ

عُروضِ زَلَّتِهِ صَفْحٌ وغُفرانُ

يَرجو نَداكَ فإنَّ الحُرَّ مِعْوانُ

فإنَّهُ الرُّكْنُ إنْ خانَتْكَ أركانُ

أتَطلُبُ الرِّبْـحَ فيما فيه خُسـرانُ

فَأَنْتَ بالنَفْسِ لا بالجسمِ إنسـانُ

على الحَقِيقَةِ إخوانٌ وأخْدانُ

إلَيهِ والمالُ للإنسان فَتّانُ

وعاشَ وَهْوَ قَريرُ العَينِ جَذْلانُ

وما على نَفسِهِ للحِرْصِ سُلطانُ

مِن كُلِّ مَعنىً يَكَادُ المَيْتُ يفهَمُهُ حُسْناً ويَعبُدُهُ القِرطَاسُ والقَلَمُ»

ما استقامَتْ قناةُ رَأيِيَ إِلَّا

بعدمَا عَوَّجَ المشيبُ قناتِي

 

omantoday

GMT 04:55 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«ساق البامبو» في سوق التحف

GMT 04:53 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المنطقة و«اللمسات الأخيرة»

GMT 04:52 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

بقاء الفلسطيني... وأزمة الانتماء

GMT 04:50 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

... عن مفهوم «الجنوب العالمي» الرائج اليوم

GMT 04:49 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

قفطاننا وليس قفطانكم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبو الفتح البستي أمير الجناس أبو الفتح البستي أمير الجناس



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

مسقط - عمان اليوم

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 20:46 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 21:10 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab