تـيـلـرسـون يَـتـذكـّر كـيـسنـجـر

تـيـلـرسـون يَـتـذكـّر كـيـسنـجـر

تـيـلـرسـون يَـتـذكـّر كـيـسنـجـر

 عمان اليوم -

تـيـلـرسـون يَـتـذكـّر كـيـسنـجـر

بقلم - سجعان قزي

هل أَدركَ وزيرُ خارجيّةِ أميركا "ريكس تيلرسون" أنّه التقى حزبَ الله في لبنان مِن دونِ أنْ يدري؟ يَستطيعُ فخامةُ رئيسِ الجمهوريّةِ أنْ يُمثِّلَ كلَّ اللبنانيّين، لكنّه عمليًّا يؤيّدُ سلاحَ حزبِ الله. ويَستطيعُ دولةُ رئيسِ مجلسِ النوّاب أنْ يَتميَّـزَ بشخصيَّتِه المستقِلَّةِ عن حزبِ الله، لكنّه يؤيّد سلاحَ حزبِ الله. ويَستطيعُ دولةُ رئيسِ مجلسِ الوزراءِ أنْ يَنأى بنفسِه عن خوضِ الانتخاباتِ مع حزبِ الله، لكنّه رئيسُ الحكومةِ التي تُـغطّي سلاحَ حزبِ الله.

ويكون تيلرسون، بالتالي، فاوَض حزبَ الله من دونِ الجلوسِ مع سماحةِ السيّد حسن نصرالله. فالمواقِفُ التي تَبلَّغها من أركانِ دولةِ لبنان تَتماثَلُ مع مواقفِ حزبِ الله حِيال القرارِ 1701 والتفسيرِ الغَـرَضيِّ للنأيِ بالنفس ودورِ لبنان. وإذا ظنَّ الضيفُ الأميركيُّ أنّـه بجولتِه على المسؤولين الثلاثةِ يَختَبرُ التعدديّةَ اللبنانيّةَ فإنّه اصطدَم بالأَحَدِية المُعبِّرةِ عن وجهةِ نظرٍ واحدة. وإذا كان وَجدَ تكامُلاً في موقفِ المسؤولينَ اللبنانيّين فلا يَعني أنّه سَمِعَ صوتَ الشعبِ اللبنانيِّ، وأنَّ اللبنانيّين موحَّدون، بل صوتَ حزبِ الله، فيما صوتُ غالِبيّةِ اللبنانيّين مغايِرٌ، وإنْ كان يتوافقُ بالمبدأِ مع موقفِ الدولةِ بالنسبةِ للجدارِ الإسرائيليِّ الفاصِل، والخطِّ الأزرق، والبلوك 9 النفطيِّ.

وأخشى ما أخشاه أن تكونَ زيارةُ تيلرسون إلى لبنانَ شبيهةً من حيثُ تداعياتِها بزيارةِ سَلفِه هنري كيسنجر في كانونِ الأوّل 1973 ولقائِه بالمغفورِ له الرئيس سليمان فرنجيه في مطارِ ريّاق عوضَ قصرِ بعبدا بسببِ قُربِ القصرِ من قواعدِ منظّمةِ التحريرِ الفِلسطينيّـةِ في بيروت والضاحية. يومَها، غادر كيسنجر بانطباعٍ أنَّ لبنانَ واقعٌ تحت سيطرةِ السلاحِ الفِلسطينيِّ، وأنَّ دولتَه عاجزةٌ عن التصدّي له بسببِ انقسامِها الطائفيّ ذي الأبعادِ العربيّة؛ وبالتالي، إنَّ لبنانَ دولةٌ فاشِلةٌ ويُشكِّلُ "الأرضَ التفضيليّةَ" للوطنِ الفلسطينيِّ البديل. وبدأت الجُلجُلة.

اليوم، عاد تيلرسون إلى واشنطن وهو يَتساءل هل هو حقًا زارَ لبنانَ أم خُطِفت طائرتُه فحَطَّ في سوريا أو طهران؟ لقد اكتشَف أنَّ لا شيءَ تَـغيّر: فبعدَ 45 سنةً على مجيءِ سلفِه كيسنجر، لا تزالُ الدولةُ اللبنانيّةُ هي الحلَقةُ الأضعَف. تغيّر "الشريكُ المُضارِب" فقط. أمس كان الفِلسطينيُّ "الغريبَ"، واليومَ حزبُ الله "ابنُ البلد". فلبنانُ يَخضعُ لسلطةِ حزبِ الله، ودولتُه تتعايشُ بانشراحٍ مع هذا الواقِعِ وتَطعَنُ بوقاحةٍ بقدُراتِ جيشِها القويّ. ومثلَ كيسنجر وجدَ تيلرسون الدولةَ فاقدةَ القدرةِ على استعادةِ سلطتِها بسببِ وجودِ حكمٍ مُمتَثِلٍ وطوائفَ منقسِمةٍ ومذاهبَ متنازِعةٍ برعايةٍ عربيّةٍ وإقليميّة.

سنةَ 1973، أنْـجَـدَ بيار الجميل رئيسُ حزبِ الكتائبِ رئيسَ الجمهوريّةِ القويَّ والوطنيَّ، فبادرَ إلى توجيهِ رسالةٍ سياديّةٍ إلى كيسنجر يُبلِغُه فيها بما لم يَستطِع رئيسُ الجمهوريّةِ أنْ يقولَه بحُكمِ موقِعه. أما اليوم، فمَن يُوجِّه مثلَ تلك الرسالةِ التصحيحيّة؟

ما حَدث سنةَ 1975 لم يكن قدَرًا مكتوبًا في "سِفر الأنبياء"، بل عاقِبةَ تراكمِ مواقفَ خاطئة. كان بمقدورِ لبنان أنْ يتفادى ذاكَ الانفجارَ الكبير لو كانت الدولةُ على مستوى التحدّي الكبير. وغدًا، في حال وَقَع مكروهٌ، فلا نَلومَنَّ سوى أنفسِنا لأنَّ التَعبُّدَ للمصالحِ أضاعَ المصلحةَ الوطنيّة، ولأنَّ الإسرافَ في المزايداتِ زادَ ضعفَ لبنان. لقد زوَّدَنا العالمُ بـــ"شبكةِ دفاعٍ" أمنيّةٍ وسياسيّةٍ وديبلوماسيّةٍ واقتصاديّةٍ تَـحْفَظ كِيانَ لبنان، فلم نُحسِن إدارتَها، واستَخدَمناها، عَمدًا، خلافَ ما أُنشِئت من أجلِه.

ماذا فعلنا بمِظلّةِ الحمايةِ الدوليّة؟ ماذا فعلنا بالقراراتِ الأمميّة؟ ماذا فعلنا بالمؤتمراتِ العالميّةِ مِن باريس إلى نيويورك إلى روما؟ ماذا فعلنا بعدَ الانسحابين الإسرائيليِّ والسوريّ؟ ماذا فعلنا بالسلاحِ الكثيفِ الذي أتى إلى الجيشِ اللبنانيّ؟ دَفَــنّــا كلَّ ذلك في جَبهةِ الممانعةِ والمقاومةِ والصمودِ والتصدّي والانحيازِ والارتجال، أي في مسارٍ عنفيٍّ نقيضِ الوجودِ اللبناني. وإذا كانت قوّةُ لبنان ليست حتمًا بضُعفِه، فضُعفُه بالتأكيدِ هو بقوّتِه غيرِ الشرعيّة.

زيارةُ وزيرِ خارجيّةِ أميركا إلى لبنان ليست حَدثًا عابرًا. فعدا أنّه أولُ مسؤولٍ أميركيٍّ كبيرٍ يأتي لبنانَ في عهدِ الرئيس ترامب بعدَ أربعِ سنواتٍ من مجيءِ سلفِه جون كيري، فالزيارةُ تَتمُّ فيما الأدارةُ الأميركيّةُ تشارفُ على وضعِ استراتيجيّةٍ جديدةٍ للشرقِ الأوسط بعدَ مَخاضٍ عسيرٍ وضَياعٍ مُعيب. ومِن بين نقاطِ هذه الاستراتيجيّةِ ترسيمُ عَلاقةِ واشنطن بدولِ المِنطقة وتحديدُ دورِ كلِّ دولةٍ ضمنَ نظامٍ إقليميٍّ جديدٍ في طورِ التكوين.

لقد هَدَفَ تيلرسون إلى معرفةِ مدى استعدادِ دولةِ لبنان أن تكونَ شريكًا في عمليّةِ صناعةِ السلامِ الجديدِ فتفاجَأَ بها مستعدّةً لأن تكونَ شريكًا في الحروبِ الجديدة. وهَدفَ إلى معرفةِ مدى قدرةِ دولةِ لبنان على استعادةِ سلطتِها على كاملِ أراضيها فتفاجأ بتبريرِها سلطةَ سلاحِ حزبِ الله. وهَدَف إلى معرفةِ مدى فائدةِ المساعداتِ التي تُـقدِّمها بلادُه إلى الجيشِ اللبنانيِّ فتفاجأ بتشكيكٍ مُجحِفٍ بقدرةِ الجيشِ وبتغييبِ قائدِه عن اجتماعِ القصر. وهَدَف إلى معرفةِ مدى استعدادِ لبنان لمكافحةِ الإرهابِ بكلِّ اشكالِه وهويّاتِه، فتفاجأ بأنَّ دولةَ لبنان تُميِّز بين إرهابٍ وإرهاب. وهَدفَ إلى معرفةِ موقِعِ لبنان من صراعاتِ المِنطقة، فتفاجأ بأنَّ لبنان منحازٌ إلى المحورِ السوريّ ـــ الإيرانيّ.

هكذا غادر تيلرسون بانطباعاتٍ سلبيّةٍ تحاشى إعلانَها في مؤتمرِه الصِحافي، لكنّه نَقلها إلى إدارتِه. لقد تأكّد تيلرسون مباشَرةً مـمّا سَبق أنْ تَبلّغه قبلَ أشهرٍ بأنَّ لبنانَ فَقدَ خصوصيَّته التاريخيّة وصارَ في المِحورِ الآخَر. وهذا ما يفسِّر الفارقَ بين تصريحِه المعتدلِ في الأردن حيالَ حزبِ الله وبينَ تصريحِه القاسي عنه في لبنان.

كان يَجدُر بأركانِ الدولةِ اللبنانيّةِ أنْ يَقتنِصوا زيارةَ تيلرسون لتدعيمِ المِظلّةِ الدوليّةِ المحيطةِ بلبنان والمانعةِ حتى اليوم امتدادَ حروبِ المِنطقة إليه. كان الأجدرُ بأركانِ الدولةِ اللبنانيّةِ أنْ يُسلِّموا الزائرَ الأميركيَّ مذكِّرةً تتماهى مع "إعلان بعبدا" تُثبِّتُ تحييدَ لبنان استباقًا أَيَّ طارئ. لكنَّ السيدَ حسن نصرالله سَبقَهم وسلَّمه خِطابَه الحربيَّ.

لَـفْتُ نَظَر: قبلَ أسابيعَ، وَضع معهدُ "أبحاثِ الأمنِ القوميِّ الإسرائيليِّ"، تقييمًا استراتيجيًّا أوردَ فيه أكثرَ ثلاثةِ أخطارٍ مُحدِقةٍ بإسرائيل في العامِ الحالي، أوّلُها: "خطرُ نشوبِ حربٍ على الجبهةِ الإسرائيليّةِ الشماليّة، ضدَّ ثلاثِ قِوى أساسيّةٍ هي إيران، و"حزبُ الله"، والحكومةُ السورية".

omantoday

GMT 06:02 2018 السبت ,26 أيار / مايو

ترامب أمام الميديا الأميركية

GMT 00:43 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

ما تقول الميديا الاميركية عن ترامب

GMT 00:41 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

لماذا يغير ترامب وزارته ؟

GMT 23:01 2018 الأحد ,18 شباط / فبراير

'تمسكن تسلم'

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

«يضع سـره في أضعف خلقه»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تـيـلـرسـون يَـتـذكـّر كـيـسنـجـر تـيـلـرسـون يَـتـذكـّر كـيـسنـجـر



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

مسقط - عمان اليوم

GMT 11:15 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 عمان اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 04:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab